قلتُ: ولهذا التكليمُ هو المرادُ بقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[النجم: ١٠].
وقَدْ ذَهبَ بعضُ أهل العلم إلى أنَّ هذا التكليمُ كانَ بواسطةِ جبريلَ، فقالوا: فأوحى إلى عبدِهِ بواسطةِ جبريلَ ما أوحى، أي: جبريلُ.
وهذا مَرْدودٌ، إذ الأصل عدَمُ الحَذْفِ في الكَلام، وظاهرُ الحديثِ أنَّ الخطابَ منَ الله تعالى لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- كانَ بغير واسطةٍ، ومِنْ قَرائِنِهِ مُراجعةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ، وكذا يؤكِّدُهُ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ إلى موضعٍ لَمْ يُرْفَع إليه موسى عليه السَّلامُ الَّذي فُضِّلَ بكَلام الله، ولا إبراهيمُ عليه السلام الَّذي فُضِّلَ بالخُلَّةِ، فذلكَ مُسْتَوْجبٌ أنْ يكونَ فَضْلُه أعظمَ من فَضْلِ مَنْ دونَه، فجَديرٌ به أنْ يَنالَ دَرَجاتِ الفَضْلِ التي حصَّلها مَنْ دونَهُ.
والَّذي ألْجَأ القائلينَ بهذا إلى هذهِ المَقالَةِ أنَّهم التَزموا أنَّه -صلى الله عليه وسلم- إنْ أثْبتَ له تكليمُ الله تعالى إيَّاه بغير واسطةٍ، فإنَّ ذلك يستجبُ رُؤْيَتَه -صلى الله عليه وسلم- لِرَبِّه، والتَّحقيقُ الَّذي عليه جُمهورُ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرَ ربَّه تعالى ليلةَ الإِسراءِ.
والصَّواب أنَّ هذا الَّذي التزموه ليسَ بلازمٍ, لأنَّ التَّكليمَ غيرُ الرُّؤْيَةِ، وهو مُمْكِنُ الوقوع بخِلافِ الرُّؤْية، وذلك من وَراء حِجابٍ، كَما وقَعَ لمُوسى عليه السَّلام، فإنَّ موسى لمْ يَرَ ربَّه، معَ أنَّهُ كَلَّمَهُ وناداه.
وقد عَلِمْنا أنَّ هذه المرتبةَ من التَّكليمِ أكْمَلُ المَراتبِ وأعلاها, فهي فضلٌ عظيمٌ، ودرَجةٌ رَفيعةٌ، فحَرِيُّ أن تكونَ لسيّدِ ولدِ آدمَ عليه الصلاة والسلام.