والدَّليلُ عليه قولهُ:{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}.
والرَّسولُ جبريلُ عليه السلام، وربَّما كانَ غيرَهُ، إلاَّ أنَّ ذلك قليلٌ، وهذا في الرُّسُلِ من المَلائكةِ، أمَّا الرُّسُلُ من البَشَر فإنَّ الله تعالى يكلّم أمَمَهم بواسِطَتِهم، كَما يكَلِّمُهم بواسطةِ الرَّسولِ المَلَكيّ.
وبيانُهُ:
أنَّ الرَّسولَ المَلكىَّ يسمَعُ كَلامَ الله من الله بغير واسطةٍ، فَيُبَلِّغُهُ إلى الرَّسولِ البَشَريّ، فهذا تكليمٌ بالواسطةِ، والرَّسُولُ البَشَرِيُّ يُبلِّغُهُ أمَّته، وهذا أيضاً تكليمٌ بالواسطةِ، وكُلُّ مَنْ كلَّمَهُ الله بالواسطةِ فهو سامعٌ لكَلامهِ من الواسطةِ لا مِنَ الله تعالى.
وجبريلُ عليه السلام هو الذي كانَ يأتي نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- بالوَحْي من ربَّهِ، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥]، وقالَ:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ....}[النحل: ١٠٢]، وقالَ تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[البقرة: ٩٧]، وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ} [النجم: ١ - ٦] وهو جبريلُ عليه السَّلام.
ولقدْ كانَ يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بصورةِ بشَر، تأنيساً لَه، فإنَّه عليه السَّلام