قال الحافظُ ابنُ كَثير:"فمِنْ رحمتهِ تعالى بخلقِه أنَّه يرسلُ إلى كُلِّ صنفٍ من الخَلائق رسُلاً منهم، ليدعوَ بعضُهم بعضاً، ولِيُمْكِنَ بعضُهم أنْ ينتفعَ ببعضٍ في المُخاطبةِ والسُّؤالِ"(٢٣).
قلتُ: ولذا امتنَّ الله تعالى على المؤمنينَ بذلكَ، فقال:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ....} الآية [آل عمران: ١٦٤].
فهذا بيانُ أنواعِ ومراتب التكليمِ العامَّ الَّذي جاءَت به آيةُ الشورى، وهو متضمَّنٌ إبطالَ أقوَالِ كثيرٍ من المبتدعةِ الَّذين لم يفرِّقوا بين تكليم الله لموسى وتكليمِهِ لغيرهِ بواسطةِ الملَك، ولا بينَ الِإيحاءِ المجرَّد والتكليم الخاصِّ، فوقَعوا بسَببِ ذلك في ضَلالاتٍ، أوْقَعَتْهم في الِإلحادِ في صفاتِ الله تعالى، وتعطيلِ صَريح النُّصوصِ، وإبطالِ حقائِقها.
ومما ينبغي التنبيهُ عليه دَفْعاً لِمَا قد يُشْكِل في إطلاقِ لفظ (الوحي) ولفظ (التكليم) في مواضِعَ من كتاب الله تعالى، فالقاعدة في ذلك كما يقول شيخُ الإِسلام رحمه الله: "فيهما عُمومٌ وخُصوصٌ، فإذا كانَ أحدُهما