للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبلغوا السلطان الغازي الخدمات الوافرة من جانب هذا المحبّ المخلص، واعرضوا غليان مراجل الشّوق المتزايد تزايد هممه العالية تطلّعا لتقريب مراحل الاجتماع، ولتقرّروا أن غاية ما كنّا نتمنّاه وزبدة ما كنّا نرنو إليه أن حسام انتقام السلطان طالما قد انتهى من قهر خصومه في «الأبخاز» ودخل الغمد، وطالما قد فرغ ذهنه العالي من فتح منطقة «تفليس»، فقد كان لابدّ له أن يهجع بضعة أيّام برسم التنزّه والتفرّج في مروج الرّوم كي تستجمّ مراكب/ الفرق ومواشي الجند، ويتبدل التلاقي بالفراق. ورغم أن وعاء مقدرة أمثال هذا المخلص يقصر عن الوفاء برعاية جنابه فحسبه أن يذعن ويطيع.

أمّا الآن وقد تحقّق أنه صرف همّته لمحاصرة قبّة الإسلام «أخلاط» بتسويل أصحاب الأغراض، وما هم إلا شياطين الإنس (١)، فإنّ هذا الأمر يبدو بعيدا عن الرّأي السّديد؛ ونحن وفقا لحكم الحق تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ (٢)، نجهر بالقول بأنه أولى به [أن يثني عنانه عن تلك المدينة ويقصد ملكا من ممالك المشركين. وهناك مصلحة أخرى من باب النّصيحة التي هي الرّكن الأهمّ والباب الأعظم للدّين والملك] (٣) وهي أن يسلك مع جيش التّتار طريق المداراة والمهادنة، وأن يقرع- كلمّا تمكّن من ذلك- باب المصالحة من جانبه وبكلّ ما في وسعه (٤)، وإنّه ليجول بخاطري وضميري أن


(١) هذ نص عبارة الأوامر العلائية، ص ٣٧٧، وعبارة الأصل مضطربة.
(٢) لقمان: الآية ١٧.
(٣) زيادة من أ. ع، ٣٧٩.
(٤) «لأن عقلاء القرون الأولى وحكماء الأزمان السابقة قد قالوا إن الدخول في طريق المعاداة والخصومة مع قوم أقاموا دولة جديدة، سيّما وهم يتوكلون ويعتصمون بحول الله تعالى وحبله وقوّته في كل الموارد والمصادر ولا يبقون على جاف أو زان أو-