كان فوران إعصار كوبك يتزايد كلّ يوم، وكانت صواعق عذابه الشّديد وبطشه المبيد تحرق كل ساعة بيدر عمر أحد العلماء. من أجل ذلك استبدّ الألم بالسلطان لفراق أكابر دولته، فضلا عن أن الوّساوس ساورته لأن «كوبك» كان يدخل عليه بسيف الحمائل. فأرسل غلاما من غلمان الخاص إلى «سيواس» عند «قراجة» أمير الحرس، أن «كوبك بك» أهلك أركان السلطان، وهو يدخل خلوتي الآن مجترئا بالحزام والسّيف، ويتملّكنا الذهّول لتهوره وتجبره، فعلى «قراجة» أن يأتي بأسرع ما يمكن للمبادرة بتدارك أمره.
/ فقدم «قراجة» في صحبة الغلام متّجها إلى حضرة السلطان حتي «قباد آباد»، ثم أطلق الغلام قبله إلى السلطان للإعلان عن قدومه، وأبدى بعض التريّث والتباطؤ. ثم نزل فجأة- في المساء- بمنزل «سعد الدين كوبك». ولم يكن «كوبك» يخشى أحدا سواه، فلما رآه سأله: هل وصلت إلى خدمة سلطان العالم؟ أجاب: كيف يتسنّى لي أن أذهب إلى خدمة السلطان وأحسب نفسي من المقرّبين إليه دون إذن من ملك الأمراء، إنّني أعد جانب ملك الأمراء المعظّم هو المعاذ والملاذ.
ومن أمثال هذه الأكاذيب والأباطيل نفخ في ذلك الملعون، فلما اطمأنّ كوبك من جهته أمر فأقيم مجلس الأنس، وطربوا، وأنعم عليه تلك الليلة بأنعام وفيرة، وأخذه معه على الصباح إلى حضرة السلطنة، فدخل هو أوّلا (١)، وأعلن عن مقدمه، ثم إنه أدخله وأوصله إلى أن قبّل يد السلطان.
(١) نخست: أولا، وفي الأصل: بحسب، وهو تصحيف بلا شك، انظر أ. ع، ٤٨١.