للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشغل جيش العرب بغارة السّلب، وأخذ أهل الرّوم يتحرّكون في إثر الخصوم في نواحي تلك الدّيار فرقة فرقة كالجبل الهادئ الساكن، وفجأة أدركوا صاحب أرزن الروم، ورأوا معه أخاه العزيز- الذي لم يكن يفارقه- فأخذوهما، وأتوا بهما إلى ملك العالم، فارتمى تحت أقدام المليك خجلا؛، فأمّنه السلطان من ضرب السّيف، وعهد به إلى بعض أمرائه ليبذلوا كلّ جهدهم في حراسته، على ألا ينالوا أبدا من حرمته وتعظيمه، بل يزيدوه حرمة وتعظيما. كان أوّل النّهار ملكا موّفقا، وآخره أسير حرب (١).

ثمّ إنّ السلطان اتّجه إلى البلاط، فحمل الملك الأشرف الغاشية على كتفه، وأخذ يسير على قدميه في ركاب السلطان، الذي تعجّب هو وجميع من حضر للطفه البالغ، وكان السلطان يبدي كل لحظة اعتذارا، ويبدع لطيفة من اللّطائف. فلما دخل السلطان البلاط، قبّل الملك الأشرف الأرض، ثم اتّجه صوب خيمته. وانطلق السلطان من الصّفّة- من جديد- إلى الخلوة حيث المصلّى كي «يناجي ربّه». وسجد لله شكرا، وحمد ملك العدل والدين وأثنى عليه.


(١) راجع ابن الأثير، (الكامل ١٢: ٤٩١ فى حوادث سنة ٦٢٧)، وقد شبه صاحب أرزن الروم فيما انتهى إليه أمره بالنعامة: «فكان كما قيل: خرجت النعامة تطلب قرنين، فعادت بلا أذنين. وهكذا هذا المسكين جاء إلى جلال الدين يطلب الزيادة، فوعده بشىء من بلاد علاء الدين، فأخذ ماله وما بيده من البلاد وبقى أسيرا …».