للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رفعت» (١) وروى مسلم: «أنه أطعم رجلا وسقا من شعير، فأكلوا منه مدة حتى كالوه، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم» (٢) قال النووى: وإنما ذهب لما كالوه؛ عقوبة لهم، لأن كيله معناه التسليم، ومتضمن للتدبير وتكلف للإحاطة بأسرار الله، وصحّ «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة من لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون وقال رجل لسمرة هل كانت تمد؟ قال: ما كانت تمد إلا من السماء» ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولا بأس بالكلام على شىء منها، وما يتعلق بها، فإن إخلاء هذا الكتاب منها غير لائق إذ هى أخصّ الشمائل كلّها وأكملها، واعلم أن أعظم معجزاته وأشهرها، وأعمها: القرآن، والكلام فى وجوه إعجازه، وما اشتمل عليه مما يناسب ذلك مستوفى فى كلام المفسرين والأصوليين، وأما غيره فمنه ما وقع التحدى به، وهو طلب المعارضة والمقابلة، ومنه ما وقع بدون طلب، ولا ينافى تسميته معجزة أن التحدى شرط فيها، لأنا نقول هو شرط فيها فى الجملة، لا فى كل من جزئياتها، وبها يرد ما أورد على مشترط ذلك كالباقلانى بما شنع به جمع عليه، وأطالوا، وهى ما قبل نبوته كقصة الفيل، والنور الذى خرج معه حتى أضاء له قصور الشام، وأسواقها، وحتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ومسح الطائر لفؤاد أمه حتى لم تجد ألما لولادته والطواف به فى الأفاق، وغيض ماء بحيرة ساوة، وخمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وما سمع من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه، وانتكاس الأصنام وخرورها لوجهها من غير دافع لها من أمكنتها إلى سائر ما نقل من العجائب فى أيام ولادته، وأيام حضانته وبعدها إلى أن بقاه الله؛ كإظلال الغمام أى فى السفر، وشق الصدر، وهذا القسم لا يسمى معجزة حقيقية، لتقدمه على التحدى جملة وتفصيلا، وإنما يسمى إرهاصا أى تأسيسا للنبوة، وهذا ما عليه أهل السنة، وقالت المعتزلة: لا يجوز تقديم المعجزة إلى الإرسال، وبما قررته يعلم أن الخلاف لفظى، وأما بعد موته، وهو غير محصور إذ كل خارق وقع لخواص أمته، إنما هو فى الحقيقة له، إذ هو السبب فيه وأما من حين نبوته إلى وفاته، وهذا هو الذى الكلام فيه فمنه: انشقاق القمر لما طلب منه


(١) رواه البخارى فى النكاح (٥١٦٣)، ورواه مسلم فى النكاح (١٤٢٨)، والترمذى فى التفسير (٣٢١٨)، والنسائى فى النكاح (٦/ ١١٠،١١١).
(٢) رواه مسلم فى الفضائل (٢٢٨١)، والبيهقى فى الدلائل (٦/ ١١٤).

<<  <   >  >>