للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كفار قريش آية على صدقه، والدليل على وقوعه ظاهر الآية، وأجمع أهل السنة عليه، وهى من أمهات معجزاته وخواصها، إذ ليس فى معجزات الأنبياء ما يقاربه لأنه ظهر فى الملكوت الأعلى خارجا عن طباع هذا العالم، فلا حيلة فى الوصول إليه، وقد حقق التاج السبكى: أن انشقاقه متواتر، ذكر فى الصحيحين «أنه انشق فرقتين حتى رأوا حراء بينهما، فقالوا: هذا سحر كما سألوا السحار فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فسألوهم، فأخبروا بذلك» (١) وفى رواية لمسلم: «أخبرهم بانشقاقه مرتين» (٢)، وفى رواية لأبى نعيم: «فصار قمرين» (٣) ولهذا المراد برواية مسلم مرتين، وأما ما اقتضاه كلام الحافظ أبى الفضل العراقى: من الإجماع على أنه انشق مرتين، فتعقب بأن ذلك لم يجزم له أحد من علماء الحديث، فضلا عن الإجماع، فالوجه أن مرتين بمعنى فرقتين جمعا بين الروايات، وفى البخارى عن ابن مسعود: «ونحن بمنى» (٤) ولا يعارضه قول أنس: «أنه كان بمكة» (٥) لأن المراد أنه كان بها لا بالمدينة، وقد أنكر جمهور الفلاسفة ذلك، لإنكارهم الخرق والالتئام فى الأجرام العلوية، وهؤلاء كفار، وتقرير بطلان مذهبهم فى الأصول، وأنكره أيضا بعض الملاحدة محتجين بأنه لو وقع لم يخف على أحد من أهل الأرض، ولم يختص بأهل مكة، ورد: بأنه وقع ليلا لحظة وقت النوم والغفلة والنوم، فلا مانع من خفائه على من بعد فى ذلك الإقليم، وليس هو دون الكسوف الذى يظهر بمحل دون آخر، على أنه لولا إخبار المنجمين به قبل وقوعه، لربما خفى على أكثر أهل الأرض، وحكمة قدم بلوغ معجزة من معجزاته غير القرآن تواتره أن نظير ذلك فى الأمم السابقة، أعقبت هلاك من كذب بها وهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة، فكانت معجزته غير عامة لئلا يعاجل المكذبون بما عوجل به من سبقهم، وحكى البدر


(١) رواه البخارى فى المناقب (٣٦٣٧)، وفى التفسير (٤٨٦٤)، ورواه مسلم فى صفات المنافقين (٢٨٠٠)، وكذلك أحمد فى المسند (١/ ٣٧٧،٤١٢،٤٤٧)، (٣/ ٢٧٥،٢٧٨)، (٤/ ٨٢)، وأبو نعيم فى الدلائل (١/ ٢٠١) من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه.
(٢) تقدم فى الذى قبله
(٣) رواه الحافظ أبو نعيم فى دلائل النبوة (١/ ٢٠٢).
(٤) تقدم.
(٥) رواه البخارى فى المناقب (٣٦٣٧)، و (٣٨٦٨)، ومسلم فى صفة المنافقين (٢٨٠٢)، من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.

<<  <   >  >>