للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك».

ــ

الأب ولا يقوم له الأب انتهى، وليس فى محله، لأن الذى يصرح به كلام الأئمة هذا القائل أن الولد إن كان فيه فضيلة تقتضى القيام له سن حتى للأب القيام له، فبطل إشكاله المبنى عليها وهم فيه، وبأن الأحبية من حيث الدين اقتضى ندب القيام. (إليهم) أى إلى أصحابه. (وكانوا) أى والحال: أنهم كانوا مع تلك الأحبية المقتضية لمزيد الإجلال والتعظيم، ومنه القيام كانوا. (إذا رأوه لم يقوموا) له (لما يعلمون من كراهته) أى لأجل المعلوم المستقر عندهم وهو كراهته، وفى نسخة: «كراهيته» وهو مصدر كره كعلم. (لذلك) تواضعا وشفقه عليهم وإسقاطا لبعض حقوقه المتعينة عليهم، فاختاروا إرادته على إرادتهم، لعلمهم بكمال تواضعه، وحسن معاشرته لهم ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: «قوموا لسيدكم» (١) أى سعد بن معاذ سيد الأوس لما جاء على حمار لإصابة أكحله بسهم فى وقعة الخندق كان منه موته بعد، لأن هذا حق الغير فأعطاه صلى الله عليه وسلم له وأمرهم بفعله بخلاف قيامهم له فإنه صلى الله عليه وسلم حق لنفسه وتركه تواضعا، وهذا أولى، بل أصوب من قول زاعم: القيام الذى أمرهم به؛ هو إعانته حيث ينزل من حماره، لكونه كان مجروحا وهذا هو مذهبنا: من ندب القيام لكل قادم فيه فضيلة نحو نسب، أو علم، أو صلاح، أو صدقة قد ثبت «أنه صلى الله عليه وسلم قام لعكرمة بن أبى جهل لما قدم عليه، ولعدى بن حاتم كل ما دخل عليه» وضعفهما لا يمنع الاستدلال بهما هنا، خلافا لمن وهم فيه، لأن الحديث الضعيف يعمل به فى فضائل العلم اتفاقا، بل إجماعا كما قاله النووى: فى القيام للإكرام، لا للرياء، والإعظام، فإنه مكروه، ويفرق بينه وبين حرمة نحو الركوع للغير إعظاما؛ بأن صورة نحو الركوع لم يعهد، إلا عبادة بخلاف صورة القيام، ولبعضهم هنا ما لا يوافق مذهبنا فليحذر.


(١) رواه البخارى فى الجهاد (٣٠٤٣)، وفى مناقب الأنصار (٣٨٠٤) وفى المغازى (٤١٢١)، وفى الاستئذان (٦٢٦٢)، ومسلم فى الجهاد (١٧٦٨)، وأبو داود فى الأدب (٥٢١٥،٥٢١٦)، والنسائى فى الفضائل (١١٨)، والبغوى (٢٧١٨)، وابن حبان فى صحيحه (٧٠٢٦)، وأحمد فى مسنده (٣/ ٢٢،٧١)، وأبو يعلى فى مسنده (١١٨٨)، والبيهقى فى السنن (٦/ ٥٧،٥٨)، (٩/ ٦٣) والطبرانى فى الكبير (٥٢٣).

<<  <   >  >>