للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجزء لنفسه. ثمّ جزّأ جزّأه بينه وبين النّاس، فردّ بالخاصّة على العامّة، ولا يدّخر

ــ

يلتقط اللحم والطعام ويقول: غارت أمكم، فوسع خلقه الكريم صفحات غيرتها ولم يتأثر، بل أنصف منها وهكذا كانت أحواله معهن يعذرهن، وينصف بعضهن من بعض من غير قلق ولا غضب، وفى خبر مسند، لا بأس به عن عائشة مرفوعا «إن الغير لا يبصر أسفل الوادى من أعلاه» (١)، وروى الملائى وابن غيلان: «أنها أتت بحزيرة-أى بلحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه الدقيق-طبختها للنبى صلى الله عليه وسلم فقالت لسودة وهو قائم بينهما: كلى، فأبت، ثم قالت لها: كلى فأبت، فقالت: كلى أو لألطخن بها وجهك فأبت، فلطخت بها وجهها، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم» وبالجملة: من تأمل سيرته مع أهله، ونحو الأيتام والأرامل، علم أنه بلغ من التواضع واللين، والرأفة غاية ما حظىّ بمثلها مخلوق. (جزء لهم) بدل بعض من كل إن كان ما عطفت عليه بعد الإبدال، وكل من كل إن كان قبله. (وجزء لنفسه) يفعل فيه ما يعود عليه بالتكميل الدنيوى والأخروى وفصله عن الجزء الأول بمحض الشهود، والتحلى بجمال الحق، فلم يصف للنفس وإن عاد عليها بجميل العوائد وأحلّها «بينه وبين الناس»، فصيرهن جزئين، لا ينافى قوله: «ثلاثة أجزاء» لأن كلا من هذين لما عادا لشىء واحد، وهو نفسه الشريفة كانا بمنزلة شىء واحد، فاتضح قوله: «ثلاثة أجزاء». (فيرد) وفى نسخة: فردّ ذلك إلى جزء الناس. (الخاصة) بسببهم. (على العامة) لأن خواصه الحاضرين لديه يستفيدون منه، ثم يبلغون ذلك لعموم الناس، وبين على رضى الله عنه قوله: «فرد» معنى كونه قسم جزئه بينه وبين الناس إذ لا يمكن تعميم الناس، إلا بتلك الوسائط، وأفهم أن المراد بالناس هنا؛ من جاء بعده إلى قيام الساعة، لأنك تجده صلى الله عليه وسلم قد رد عليهم أجمعين من علومه، بواسطة خاصية ما كان سببا لهدايتهم وأمنا من غوايتهم. (ولا يدخر عنهم) أى عن الناس الخاصة والعامة، وقيل: عن العامة بأن لا


= (٦/ ١٤٨)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (٤/ ١٣٢)، والبيهقى فى السنن الكبرى (٦/ ٩٦)، ذكره السيوطى فى جمع الجوامع (٤٤٨٦)، وقال رواه النسائى عن عائشة (٣/ ١٤٠١)، وذكره الهندى فى كنز العمال (٣٩٨٢٤)، عزاه للنسائى عن عائشة (٧١٥).
(١) رواه أبو يعلى فى مسنده (٤٦٧٠)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (٤،٣٢٢)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وسلمه بن الفضل، وقد وثقه جماعة، وابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (٩/ ٢٣٦)، وقال: فيه قصة، وفى المطالب العالية أيضا (١٥٤٠).

<<  <   >  >>