فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس، ويأمر بذلك، يعطى كلّ جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه، أو فاوضه، فى حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها، أو بميسور من القول،
ــ
خروجه فلم يحتج إلى ذكرها لهم بخلافها فى دخوله، فاحتاج إلى ذكرها وأيضا فالغالب فى من فى بيته أنه يشتغل بعياله وحوائجه فى أكثر الزمن فتبين أنه صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، وأيضا فهو فى خروجه أكثر زمنه مصروف للنفع العام، وفى دخوله بالعكس فكان بيان هذا أهم، ثم رأيت بعضهم أجاب عن ذلك بما لا يفهم بعضه ولا ينفع باقيه، فاجتنب.
(عن مجلسه) أى أحواله فى وقت جلوسه مع الناس وهذا من ذكر الأخص بعد الأعم إذ ذكر أحوال مخرجه يدخل فيه ذكر أحوال مجلسه المذكور. (إلا على ذكر) أى ذكر الله كما فى نسخة إلا حال كونه متلبسا بالذكر. (حيث ينتهى به) صلى الله عليه وسلم خلافا لمن زعم أن الضمير للجلوس. (المجلس) لكرم أخلاقه ومزيد تواضعه إذ لم يتكلف خطوة زائدة على الحاجة لحظ نفسه حتى يجلس صدر المجلس. (ويأمر بذلك) أى بالجلوس حيث انتهى المجلس إعراضا عن رعونات النفس وأغراضها الفاسدة، المنبئة عن مزيد التكبر والترفع. (بنصيبه) من البشر والكرامة اللائقين به، وأفرد الضمير؛ لأن كل إذا أضيفت إلى الجمع دلت على أن المراد كل فرد من أفراد ذلك الجمع، وأدخل الباء على المفعول الثانى تأكيدا، ويصح أنه محذوف، وأن بنصيبه صفته أى: شيئا بقدر نصيبه (لا يحسب جليسه. . .) إلخ فلكمال خلقه وحسن معاشرته ظن كل أنه من جلسائه لما ظهر له من عظيم بشره وقربه أنه أقرب الناس إليه، وهذا هو الغاية فى الكمال وقوله:(أحدا) أى من أمثاله كما هو ظاهر لا مطلقا وإلا فمن المعلوم المستقر أن الصحابة بأسرهم كانوا يعتقدون أن أبا بكر مثلا كان أكرم عليه منهم. (صابره) أى يصبر على ما يصدر منه، ولا يبادر بالقيام عنه، ولا يقطع كلامه، بل يستمر معه. (حتى يكون هو المنصرف) عنه صلى الله عليه وسلم وهذا من عظيم خلقه وكريم تواضعه وهذا يتعلق بمجالسه، وأما فاوضه فالمراد بمصابرته فيه أنه يصبر لمفاوضته حتى ينقضى كلامه. (إلا بها) أى يتسرب عنده. (أو بميسور) أى حسن. (من القول) ليكون ذلك علاقته مسلاة له عن حاجته، وهذا من