للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلم الذي لا يشك في هذه الرواية التي وردت عن النبي لا يقبل منه أن يفسرها بما لا تقبله أساليب اللغة العربية.

ولا ندري كيف ينسحب هذا الحكم إن جاز جدلاً، إلى الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -؟

لقد استخلص المقال أن من أنكر المعجزات وزعم أن الإسراء بالروح فقط من أصحاب المدرسة الإصلاحية كان كافرًا، وهذا لم يصدر عني صراحة أو ضمنًا، كما أن الكلام لا يتصل بالصحابة أبدًا، كما لا يؤدي إلى جعل السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - في زمرة المتهمين بتحريف الكلام كما يقول كاتب المقال.

(الرد) في هذا استنتاج في غاية الغرابة وأسلوب مرفوض في الدفاع عمن أخطأ من أصحاب المدرسة الإصلاحية، وهذه مسألة لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح حتى لو كانت الروايات عن عائشة وبعض الصحابة صحيحة السند، لأن وصف أصحاب هذه المدرسة بتأويل النصوص كرد فعل لهجوم المستشرقين لا يمكن أبدًا أن يفهم منه أن من قال جدلاً إن الإسراء بالروح في عهد الصحابة يكون قد أَوَّلَ لنفس العلة.

أما ما نقله الفخر الرازي من روايات عن حذيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من أن الإسراء والمعراج كان رؤيا فقط، وما نقله عن عائشة ومعاوية والحسن - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، ليس إلا روايات لابن إسحاق في " السيرة "، وبتمحيصها طبقًا لقواعد علم مصطلح الحديث يتبين أن ابن إسحاق قال: «حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ»، ولا توجد معاصرة بينه وبين من روى عنهم لأنه قد مات في منتصف القرن الثاني الهجري، كما أنه لم يذكر اسم من روى عنهم، فتكون الرواية منقطعة وليست حجة في أي استدلال علمي.

والرواية المنقولة عن معاوية أيضًا منقطعة إذ يوجد فارق زمني كبير بين يعقوب بن عقبة شيخ ابن إسحاق الذي روى عنه وبين معاوية المنسوب إلى هذا القول، وهذا الانقطاع يجعل الرواية ساقطة ولا يحتج بها علميًا.

وحذيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - نقل عنه ابن كثير في " السيرة ": (ص ٦٠) أنه وعمر وبعض الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يرون أن الإسراء والمعراج كَانَا أولاً رؤيا منامية تدريبًا وتيسيرًا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتمهيدًا للرحلة الواقعية في اليقظة وهي رحلة الإسراء والمعراج الواردة في الكتاب والسنة. كما نقل ذلك عن " شرح الشفاء " للعلامة علي القاري: ج ١ ص ٤٠٥، ٤٠٧.

<<  <   >  >>