للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكل شيء غير محسوس ولا يخضع للتجارب فهو غير يقيني.

ولا يخفى على الباحثين أن العلماء اكتشفوا الأصوات والتموجات الكهربائية وهي غير ملموسة ولا مرئية، كما اكتشفوا كوكب النبتون ولم ترصده المناظير الأرضية، بل استدلوا عليه بالأشعة التي صدرت عنه وعكستها كواكب أخرى.

وهكذا أصبح من المسلمات العلمية أن تقطع بوجود أشياء غير مرئية بالآثار الصادرة عنها، وهذا ما خاطب به القرآن الناس منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان - قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} (١).

والقرآن المكي مليء بهذه الاستشهادات، فليرجع إليه.

لما كان ذلك .. فإن اتفاق الفلسفتين على إبعاد الدين عن مصادر المعرفة، يرفع التناقض الذي ظنه الدكتور الناقد. ومع هذا فعبارتي قد خلت من هذه المقولة والافتراضات الفلسفية التي هي بطبيعتها مقولات نظرية يدور حولها الجدل الذي يبعد كثيرًا عن الواقع، ويستمر هذا الجدل والحوار بغير جدوى وكأن الكلام غاية في ذاته، فقولي: «وَاحْتَكَمَ نَفَرٌ إِلَى الفَلْسَفَةِ العَقْلِيَّةِ الوَضْعِيَّةِ ...» هذه العبارة لها أكثر من مدلول:

[أ] فهي تجمع بين الفلسفتين وتجعلهما شيئًا واحدًا في خصوصية هذه المسألة، وهي رد الأمر إلى الكتاب والسنة والنعي على من يبعد الدين عن مصادر المعرفة والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، متقدمان ما كان من وضع البشر.

[ب] وهي أيضًا تصف الفلسفة العقلية بالوضعية باعتبارها من وضع البشر.

[ج] وهي تشير إلى مقالات نشرت عن التطرف، احتكم فيها بعض الكُتَّابِ إلى أساتذتهم في الجامعة - وهم أصحاب فلسفة عقلية وضعية - وكل هذه المدلولات الثلاث واردة في دلالات هذه العبارة، ولكن الموضوع الذي تناوله مقالي هو التشريع الإسلامي الذي لا ينكره علماء الغرب أنفسهم وهو مختلف تمامًا عن هذه الفلسفات النظرية التي تدور في فلك جدلي لا ينتهي .. ومن ثم أترك غيري للأخذ والرد والإرخاء والشد في معاني هذه الألفاظ.


(١) [ق: ٦].

<<  <   >  >>