وإن أبى الإنسان غير ذلك عاش مشتتا متفرقا يهيم في أودية الدنيا، ويتوزع بين آلهتها، لا يدري من يحقق له النفع، ومن يدفع عنه الضر، ومن أجل أن يستقر الإيمان في النفس، وتتضح شناعة الكفر، ضرب الله لذلك مثلا - لأن المثل مما يقرب المعنى إلى الذهن -، قارن فيه بين رجل تفرق أمره بين آلهة متعددة ورجل يعبد ربه وحده فقال سبحانه:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٢٩](١) يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضا فيه، وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على منهج، ولا يستقر على طريق، ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه، وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح، فلا يستويان فهذا يخضع لسيد واحد وينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين، وذاك يخضع لسادة متشاكسين فهو معذب قلق لا يستقر على حال، ولا يرضي واحدا منهم فضلا عن أن يرضي الجميع.
وبعد أن أوضحت الأدلة الدالة على وجود الله وربوبيته وألوهيته يحسن أن نتعرف على خلقه للكون والإنسان، وأن نتلمس حكمته في ذلك.