حقيقة الكفر وبإزائه إنسان آخر، ولد مستسلما، وعاش مستسلما طول حياته، من غير أن يشعر باستسلامه أو يفطن له، ولم يعرف ربه، ولم يؤمن بشرعه، ولم يتبع رسله، ولم يستخدم ما منحه الله من العلم والعقل ليعرف من خلقه، وشق سمعه وبصره، فأنكر وجوده، واستكبر عن عبادته، وأبى أن ينقاد لشرع الله فيما أوتي فيه حق التصرف والاختيار من أمور حياته أو أشرك به غيره، وأبى أن يؤمن بآياته الدالة على وحدانيته، وهذا هو الكافر.
ذلك بأن معنى الكفر هو الستر والتغطية والمواراة، يقال: كفر درعه بثوبه إذا غطاها به ولبسه فوقها، فيقال لمثل هذا الرجل:" كافر "، لأنه ستر فطرته وغطاها بغطاء من الجهل والسفاهة.
وقد علمت أنه ما ولد إلا على فطرة الإسلام، ولا تعمل أعضاء جسده إلا طبقا لفطرة الإسلام، ولا تسير الدنيا حوله بأسرها إلا على سنن الاستسلام، ولكنه غطي بحجاب مستور من الجهل والسفاهة، وتوارت عن بصيرته فطرة الدنيا وفطرة نفسه، فتراه لا يستخدم قواه الفكرية والعلمية إلا فيما يخالف فطرته، ولا يرى إلا ما يناقضها، ولا يسعى إلا فيما يبطلها.
ولك أن تقدر الآن بنفسك ما ارتكس فيه الكافر من الضلال