للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جزء منه حكم عظيمة، وآيات باهرة، ولو تأملت آية واحدة منها لوجدت فيها عجبا، فانظر إلى عجائب صنع الله في النبات التي لا تكاد تخلو ورقة منه ولا عرق ولا ثمرة من منافع تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها وتفاصيلها، وانظر إلى مجاري الماء في تلك العروق الرقيقة الضئيلة الضعيفة التي لا يكاد البصر يدركها إلا بعد تحديقه، كيف تقوى على اجتذاب الماء من أسفل إلى أعلى، ثم يتنقل في تلك المجاري بحسب قبولها وسعتها، ثم تتفرق وتتشعب وتدق إلى غاية لا ينالها البصر، ثم انظر إلى تكون حمل الشجرة ونقلته من حال إلى حال، كتنقل أحوال الجنين المغيب عن الأبصار، بينا تراها حطبا عاريا لا كسوة عليها إذ كساها ربها وخالقها من الورق أحسن كسوة، ثم أطلع فيها حملها ضعيفا ضئيلا بعد أن أخرج ورقها صيانة له، وثوبا لتلك الثمرة، الضعيفة لتستجن به من الحر والبرد والآفات، ثم ساق إلى تلك الثمار رزقها وغذاها في تلك العروق والمجاري فتغذت به، كما يتغذى الطفل بلبن أمه، ثم رباها ونماها حتى استوت وكملت وتناهى إدراكها فأخرج ذلك الجني اللذيذ اللين من تلك الحطبة الصماء.

وأنت إذا نظرت إلى الأرض وكيف خلقت، رأيتها من أعظم آيات فاطرها ومبدعها، خلقها سبحانه فراشا ومهادا وذللها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتادا تحفظها

<<  <  ج: ص:  >  >>