للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمصالحه، فمنها الركوب، ومنها الحلوب، ومنها الغذاء، ومنها اللباس، ومنها الحرس، وجعل الإنسان كالملك المخول في ذلك المتصرف فيه بفعله وأمره.

وأنت لو تأملت هذا الكون كله أو جزءا من أجزائه لوجدت فيه عجبا، ولو تمعنت فيه تمام الإمعان، وأنصفت من نفسك، وتخلصت من ربقة الهوى والتقليد لأيقنت تمام اليقين أن هذا الكون مخلوق، خلقه حكيم قدير عليم، قدره أحسن تقدير، ونظمه أحسن نظام، وأن الخالق يستحيل أن يكون اثنين، بل الإله واحد لا إله إلا هو، وأنه لو كان في السماوات والأرض إله غير الله لفسد أمرهما، واختل نظامها، وتعطلت مصالحها.

فإن أبيت إلا أن تنسب الخلق إلى غير خالقه، فما تقول في دولاب دائر على نهر قد أحكمت آلاته، وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللا في مادته، ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها، ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها، فلا يختل منها شيء ولا يتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، لكل صنف ما يليق به، ويقسم هكذا على الدوام.

أترى هذا وقع اتفاقا بلا صانع ولا مختار ولا مدبر؟ بل اتفق

<<  <  ج: ص:  >  >>