ثم خلق له من نفسه - أي من نفس آدم عليه السلام - زوجا يسكن إليه، ملبيا لحاجاته الفطرية - نفسية وعقلية وجسدية - بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة، لأن تركيبهما الجسدي والنفسي والعصبي ملحوظ فيه تلبية وغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما لإنشاء جيل جديد، وأودعت نفوسهما هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارا للحياة والمعاش، وأنسا للأرواح والضمائر، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.
واختص الله المؤمنين من بين بني الإنسان، فجعلهم أهل ولايته، استخدمهم في طاعته، يعملون له وفق شريعته، ليكونوا أهلا لمجاورة ربهم في جنته، اصطفى منهم الأنبياء والمرسلين والأولياء والشهداء، ومنحهم في هذه الدنيا أعظم نعمة تنعم بها النفوس ألا وهي عبادة الله وطاعته ومناجاته، واختصهم بنعم عظيمة - لا يجدها غيرهم - منها الأمن والطمأنينة والسعادة، بل أعظم من ذلك أنهم يعلمون الحق الذي جاء به المرسلون ويؤمنون به، وادخر لهم - في الدار الآخرة - من النعيم المقيم والفوز العظيم ما يليق بكرمه سبحانه، ويكافئ إيمانهم به وإخلاصهم له، بل ويزيدهم من فضله.