للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم ماتت أمه وجده لأبيه وعمره حينئذ ست سنين، فكفله عمه أبو طالب، فنشأ الغلام يتيما، وظهرت عليه علامات النبوغ، فكانت عاداته وأخلاقه وخصاله مختلفة عن عادات قومه، فكان لا يكذب في حديثه، ولا يؤذي أحدا، واشتهر بالصدق والعفاف والأمانة، حتى كان كثير من أبناء قومه يأمنونه على أموالهم الثمينة ويودعونه إياها، وهو يحافظ عليها كما يحافظ على نفسه وماله، مما جعلهم يلقبونه بالأمين، وكان حييا لم يظهر لأحد بدنه عريانا منذ بلغ، وكان نزيها تقيا يؤلمه ما يراه في قومه من عبادة الأوثان، وشرب الخمور، وسفك الدماء، فكان يعاشر قومه فيما يرتضيه من أعمالهم، ويعتزلهم حال مجونهم وفسقهم، وكان ينصر الأيتام والأيامى، ويطعم الجياع، حتى إذا قارب الأربعين من العمر ضاق ذرعا بما حوله من الفساد، وبدأ ينقطع لعبادة ربه، ويسأله أن يهديه إلى سواء الصراط.

وبينما هو على هذه الحال إذ نزل عليه ملك من الملائكة بالوحي من ربه، وأمره أن يبلغ هذا الدين للناس، وأن يدعوهم إلى عبادة ربهم، وترك عبادة ما سواه، وتواصل نزول الوحي عليه بالشرائع والأحكام يوما بعد يوم وسنة بعد سنة، حتى أكمل الله هذا الدين للبشرية، وأتم عليها النعمة بكماله، فلما كملت مهمته صلى الله عليه وسلم توفاه الله، فكان عمره عند موته ثلاثا وستين سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة وثلاث وعشرون سنة نبيا رسولا.

ومن تأمل أحوال الأنبياء ودرس تاريخهم علم علما يقينيا أنه ما من طريق ثبتت بها نبوة نبي من الأنبياء إلا وثبتت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>