تتضمن أنه قد طرى أمر يحتاج إليه إلى المشورة فليحضر. فأول من سارع التسعة المقدم ذكرهم، ووصل معهم نحو السبعين رجلاً من كبارهم. فأركب الملك ولده للقائهم، وأنزل كل عشرة منهم في دار، وأوسع عليهم من النفقات والمأكول والمشروب، وصاروا معه حيث كان. فأقاموا كذلك عشرة أيام، ثم قال لهم: إن الأمر الذي أحضرناكم قد مضى من غير مشورة ببركاتكم، فارجعوا إلى بلادكم. فخرجوا رافعي الرايات داعين للملك شاكرين، فأخذ رجل منهم في الطريق عشرة أرؤس من البقر، فقطعوه بالسيوف، وسيّروا رأسه إلى تونس، فشق ذلك على الملك وقال: البقر لي ولعله كانت له حاجة بها. فلم فعلتم ذلك؟ ثم أمر أن يعمل له جنازة ويدفن، فتضاعف أمنهم، وأقاموا على ذلك سنة، فحصل بسبب أمن البلاد أضعاف ما أنفق من المال. وورد على الملك من أكابر ملوك البربر رجل يعرف بابن عمراض فاحتفل به واستدعى أهل البلاد والعربان، فبادروا وأقبل جميع الناس وهم يومئذ سبعون أميراً، فخرج إلى لقائهم بنفسه، وضربت لهم الخيم وأخلي لهم في البلد عشر دور برسم راحتهم في النهار، واحترمهم حرمة تامة بحيث كان الرجل من أهل البلد يقتل قتيلاً ويلّم بأبياتهم، فلا يؤذى؛ ثم إن ابن عمراض قصد خدمة الملك فركبوا معه ودخلوا تونس، فقال لهم الملك وجعل يثني عليهم وعلى ابن عمراض، وأمر العربان يقبلون الأرض عقيب كل شكر، ثم طلبهم أن يدخلوا قصره ليلة واحدة ليشربوا معه، فدخلوا إلا عشرين نفراً