تخيلوا. فسيّر لهم المأكول والمشروب وغرائب ما عنده وقال: إنما قصدت أن أريكم زخرف ما عندي، فمن خطر له الدخول فليدخل ومن اختار المقام مكانه فليقم. ثم أظهر للذين دخلوا من أنواع الزينة ما ذهل عقولهم وأخرج من جواريه نحو الخمسين جارية يتراقصن بين أيديهم، ومن خطر له جارية أعطيها، وأنعم عليهم بالذهب، ولم يسير للبرانيين شيئاً. ولما أصبح ركب معهم، وخرجوا إلى عند الجماعة المتأخرين وسلم عليهم، وقال: العذر باق فيكم، فلهذا تأخرتم، ولكن ما نؤاخذكم، بل نعمل لكم قبة في وسط القصر جديدة نسميها قبة العرب تجتمعون فيها على اختياركم، ومن حين نضع أساسها نشرب فيها. فرضوا بذلك، ثم أمر لهم بمثل ما أعطى من كان معه من الذهب، ثم ساق بخيله ومماليكه فدخل قصره، واستدعي بمعمار يقال له عمرون القرطبي، وقال له: أريد أن تبني لي في هذه الرحبة قبة أربعين ذراعاً في مثلها يكون جميعاً حجراً صامتاً، ويكون لها ثلاثة أبواب، باب يختص بالعرب وتكتب عليه أسماؤهم، وباب سرّ أدخل منه وأخرج، وباب للحاشية فرسمت القبة وقطعت الحجارة. ثم إن الملك عانق عمرون من غير عادة، وقال له: إني وقفت على سيرة بعض الخلفاء، فرأيت فيها إنه قتل جماعة في قبة أساسها ملح سيّب عليه الماء فسقطت، فهل لك في ذلك حيلة؟ قال: نعم؛ فتقدم يعمل في حيلة لإحضار الملح، ثم شقّ الأساس وردمه ملحاً، ولم يصبح إلا وقد دار بالحجارة دوراً واحداً، ثم طلب العرب، فحضروا وبسط المكان، وجعل العربان يشربون والصناع