ومن نوى الصوم في سفره، فله الفطر (و) بما شاء (وهـ ش) لفطره عليه السلام، في الأخبار الصحيحة، ولأن من له الأكل له الجماع، كمن لم ينو، وذكر جماعة منهم الشيخ: أنه يفطر بنية الفِطْرِ، فيقع الجماع بعد الفطر، فعلى هذا: لا كفارة بالجماع (وهـ ش) اختاره القاضي وأكثر أصحابنا، قاله صاحب «المحرَّر» ، وذكر بعضهم رواية: يُكفِّر، وجزم به على هذا، وهو أظهر، وعنه: لا يجوز بالجماع (وم) ؛ لأنه لا يقوي على السفر، فعلى هذا: إن جامع كفر (وم ر) . وعنه: لا؛ لأن الدليل يقتضي جوازه، فلا أقل من العمل به في إسقاط الكفارة (وم ر) لكن له الجماع بعد فطره بغيره، كفطره بسبب مباح، ومذهب (م) الأكل والشرب كالجماع (١) .
(١) والصواب أن المسافر يفطر بما شاء، بأكلٍ، أو شربٍ، أو جماع، وقولهم: إنه «لا يقوي على السفر» إن سُلِّم ذلك فإنه قد تكون شهوة الجماع عند المسافر أشد من شهوة الأكل والشرب، كشاب تزوج حديثاً، وسافر مع أهله، فإنه قد لا يخطر بباله الأكل والشرب إطلاقاً، وإنما يخطر بباله الاستمتاع بالزوجة، فيجامع، فنقول له: لا كفارة عليه، ولا إثم عليه؛ لأن الله - تعالى - أباح له الفطر بأي سبب يفطر به..وأما القول: بأنه إذا نوى الجماع أفطر فهذا فيه نظر؛ لأن الإنسان إذا نوى أن يفعل محظوراً ولم يفعله لم يؤثر، كما لو نوى أن يتكلم وهو يصلي، ثم لم يتكلم، فإنه لا تبطل صلاته، وكذلك لو نوى أن يأكل ولكن لم يأكل، فإن صومه لا يبطل، وكذلك لو تردد في نية الفطر، فقال: أُفطر أَو لا أُفطر؟ فلاشيء عليه، ولا يبطل صومه، ولا يفطر، إلا إذا قصد أنه أبطل الصوم وقطعه، فهذا يبطل، والحاصل: أن كل من نوى محظوراً في عبادةٍ فإن عبادته لا تفسد بهذه النية حتى يفعله، والحديث في هذا واضح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم» [أخرجه البخاري في العتق/باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه (٢٥٢٨) ؛ ومسلم في الأيمان/باب إذا هم العبد بحسنة (١٢٧) .] ، ولو نوى أن يحدث في الصلاة، ولم يحدث، فصلاته صحيحة، أما لو نوى قطع العبادة فإنها تبطل.