ومَنْ جرح نفسه لا للتداوي، بدل الحجامة، لم يفطر؛ لأن النهي لا يختص الصيام، وكخروج الدم يفطر على وجه القيء، لا على غير وجه القيء، ذكره في «الخلاف»(١) ،
(١) يعني: إذا جرح الإنسان نفسه من غير حاجة لم يفطر؛ لأن الجرح حرام، فيحرم على الإنسان أن يجرح نفسه بلا حاجة، والتحريم عام، فإنه لا يؤثر على الصوم؛ لأن الذي يفسد العبادة هو الذي يحرم لأجل العبادة، وما يختص تحريمه بها، وهذا مبني على أن الجرح إذا خرج منه دم كثير فهو كالحجامة يفطر به، وأما من قال: إنه لا يفطر إلا الحجامة تعبداً، ولا يلحق بها خروج الدم الكثير بغير طريق الحجامة، فالأمر فيه ظاهر أنه لا يفطر، لكن إذا قلنا بالقول الراجح أن إخراج الدم الكثير الذي يلحق البدن فتوراً وضعفاً كالحجامة يفسد الصوم، وهذا هو القول الراجح، وظاهر كلام المؤلف لا يفطر، والصحيح أنه يفطر، كما لو زنا رجل بامرأة وهو صائم فسد صومه، وإذا كان في رمضان وجبت عليه الكفارة، ولا نقول: إن هذا الوطء حرام في الصيام وغيره فلا يؤثر في الصيام، وإذا قلنا بهذا لم يكن صحيحاً، وعلى هذا فنقول: إذا جرح الصائم نفسه وخرج منه دم كثير يوجب فتور البدن وهبوط قوته كما تفعل الحجامة فإنه يفطر مع الإثم، حتى ولو كان الصوم نفلاً؛ لأن جرح الإنسان نفسه محرم، ومن هنا نعرف أن تبرع الإنسان بالكلى أو أي عضو من أعضائه محرم عليه؛ لأنه لا يجوز أن يجرح نفسه، وقد نص على هذا فقهاؤنا رحمهم الله في كتاب الجنائز، وقالوا: لا يصح أن يقطع من الميت عضو ولو أوصى به لأحد من الناس، وما يفعله بعض الناس اليوم من التبرع بالكلى غلط عظيم؛ لأنه تصرف لم يؤذن به، ثم إنه لا شك أن الله (خلق الثنتين من أجل أن يتساعدا ويتعاونا على تصفية الفضلات، فإذا كان الإنسان على واحدة فلا بد أن ينقص، حتى لو بقي الإنسان حياً لابد أن يتأثر، وستنصرف كل الفضلات على كلية واحدة، هذا إن تيسر أن العروق والمجاري المتجهة إلى الكلية التي قطعت تنصرف إلى الجهة الأخرى السليمة، ثم إذا عطبت الموجودة الآن فسيهلك، ولو كانت الثانية باقية لقامت مقامها، وقول بعض الناس: هذا من البر إذا كان أبوه هو الذي أصيب بهذا الفشل الكلوي، فنقول له: إن البر واجب، لكن إذا تضمن محرماً صار حراماً، ولهذا لو قال له أبوه: إنه يشتهي كأسا من الخمر، فهل من البر أن يذهب ويشتري له كأساً من الخمر؟! الجواب: لا، وليس من البر أن يشتري له دخانا، بل البر أن يتمادى ويقول: إن شاء الله حتى ينسى.