للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أُوجِرَ المغمى عليه معالجةً، لم يفطر، وقيل: يفطر؛ لرضاه به ظاهراً، فكأنه قصده. وللشافعية وجهان.

ومَنْ أراد الفطر فيه بأكلٍ أو شربٍ، وهو ناس أو جاهل، فهل يجب إعلامه؟ فيه وجهان. ويتوجه ثالث: إعلام جاهلٍ لا ناسٍ. ويتوجه مثله: إعلام مصل أتى بمناف لا يبطل، وهو ناس أو جاهل، وسبق أنه يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يُبطلُ؛ لئلا يكون مفسداً لصلاته مع قدرته (١) .


(١) هنا ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - خلافاً وتفصيلاً طويلاً، الذي يقضي عليه قول الله عز وجل: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦] ، فقال الله: «قد فعلت» [أخرجه مسلم في الإيمان/ باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق (١٢٦) ] ، فهذا النص يحكم على كل الخلافات، وعلى هذا فمن كان جاهلاً بالوقت أو بالحكم أو كان ناسياً أنه صائم أو ناسياً أن هذا يُفطر فصومه صحيح، لكن يجب متى زال العذر أن يتوقف، كذلك المكره الذي لم يختر لا يفطر؛ لقول الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: ٥] .

وكذلك أيضاً ذكر المؤلف - رحمه الله - في الإنسان المغمى عليه إذا أوجر - يعني صب في فمه ماء - فهل يفطر أو لا؟ ومعلوم أن المغمى عليه إذا صب الماء في فمه أنه يجذبه، كالصبي يجذب اللبن، فهل نقول: إن هذا يفطر لرضاه به ظاهراً، لأن هذا المريض الصائم يرضى أن يصب الناس في فمه ماءاً من أجل أن يصحو؟ فهل نقول: هذا ليس كالمكره؛ لرضاه به ظاهراً، أو نقول إنه كالمكره؛ لأنه لا إرادة له؟ هنا فيه احتمال، والاحتياط عندي أن يقضي؛ لأن هذا وإن كان لا يشعر بذلك لكنه راضٍ به قطعاً.

بقي مسألة ثانية مهمة، وهي: هل إذا رأيت أحداً صائماً يأكل أو يشرب هل تنبهه؟ الجواب: نعم، قال المؤلف: «ومن أراد الفطر فيه بأكل أو شرب وهو ناس أو جاهل، فهل يجب إعلامه؟ فيه وجهان، ويتوجه ثالث: إعلام جاهل، لا ناس» ، وهذه المسألة فيها خلاف على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يجب تنبيهه.

والقول الثاني: لا يجب.

والقول الثالث: يجب تنبيه الجاهل دون الناسي؛ لأن تنبيه الجاهل من باب التعيين، وليس من باب التذكير، فيجب إعلام الجاهل دون الناسي، والصواب: أنه يجب إعلام الجميع، ولا يقال: هذا رزق رزقه الله، ولكن ينبهه، وهذا من التعاون على البر والتقوى، كما قال الله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: ٢] .

وقول المؤلف: «يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يبطل؛ لئلا يكون مفسدا لصلاته مع قدرته» فالمأموم لاشك أنه يجب عليه أن ينبه الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نسيت فذكروني» [أخرجه البخاري في الصلاة/باب التوجه نحو القبلة حيث كان (٣٩٣) ؛ ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة/باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٢) .] ، ولأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فإذا أتى الإمام بمناف للصلاة ناسياً فهو معذور، لكن المأموم غير معذور، فلا بد من تنبيهه، ولا يصح قياس هذه المسألة - أعنى مسألة من رأيته يأكل ويشرب وهو صائم - على مسألة تنبيه المأموم لإمامه، ووجه الفرق: أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فإذا فسدت وهو يعلم أنها فسدت، وتابعه مع فسادها، بطلت صلاته.

<<  <   >  >>