وسبق قوله فيمن أفْطَرَ، فبان رمضان، واختار صاحب «الرعاية» : إن أكل يظن بقاء الليل، فأخطأ، لم يقض؛ لجهلِهِ، وإن ظن دخوله، فأخطأ، قَضَى، وصح عن عمر - رضي الله عنه - في الصورة الثانية روايتان، إحداهما: القضاء والأمر به. والثانية: لا نقضي ما تجانَفْنا لإثمٍ. وقال: قد كنا جاهلين. فعلى هذا: لا قضاء في الصورة الأولى. وقاله فيهما الحسن، وإسحاق، والظاهرية. وقاله في الأولى مجاهد، وعطاء، وبعض الشافعية، والله أعلم.
ولو أكل ناسياً، فظن أنه قد أفطر، فأكل عمداً، فيتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم، فيه الخلاف السابق. وقال صاحب «الرعايةِ» : يصح صومه، ويحتمل ضِدُّه، كذا قال (١) .
(١) هذه المسألة تقع، وهي: من أكل ناسياً فظن أنه فسد صومه، فاستمر في الأكل، في الصورة الأولى ليس عليه القضاء، بنص الحديث: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» [أخرجه البخاري في الصوم/باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا (١٩٣٣) ؛ ومسلم في الصيام/باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (١١٥٥) .] ، لكن من أكل وهو يظن أنه أفطر فهنا لا يفسد صومه بالأكل الثاني، وتأتي مسألة الجهل بالحكم، والصواب أنه لا فطر مع الجهل بالحكم، وعلى هذا فلا فطر عليه، وحكى لنا أُناس صورة شبه هذه في زمن سبق، وهي: أن شخصاً اشترى عنباً لأهله في رمضان، وحمله على رأسه وهو صائم، وجعل يأكل ويأكل، فانتهت العناقيد، فلما بقي حبة واحدة، قال: إن كنت أفطرت بما سبق فهذه تكمل الفطر، وإن كنت لم أفطر فهذه لن تضر بالصيام، فأكلها! فهذا حكمه أنه جاهل، جاهل, فعلى القول بأن الجهل بالحكم لا يكون به فطر نقول: إن هذا صيامه صحيح، لكن قد يقال: إن هذا أخطأ من وجه، وفرط، ويجب عليه أن يسأل، فيكون هذا الاجتهاد في غير موضعه.