للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأولوا أحاديث الحجامة بتأويلات ضعيفة، كقولهم: كانا يغتابان، وقولهم أفطرا لسبب آخر (١) .


(١) قولهم رحمهم الله: «أفطرا لسبب آخر» هذا في الحقيقة من التحريف البالغ، فإذا قال -مثلا-: كانا يغتابان، يعني مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وكانا يغتابان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، هذا غلط عظيم؛ لأنه لا يمكن أن يذكر وصفا هو مناط الحكم، ثم يلغي الوصف الذي هو مناط الحكم؛ لأنه لو كان إفطارهما من أجل الغيبة لقال: أفطرا المغتابان، ولا يقول: أفطر الحاجم والمحجوم، فيكف يمكن أن نثبت معنى علق عليه الحكم في الحديث، ونلغي ما ذكر في الحديث؟! هذا من التحريف الذي فيه الخطأ من وجهين:

الوجه الأول: إثبات علة لم يذكرها الشارع.

والوجه الثاني: نفي علة ذكرها الشارع، فهذا غير مستقيم.

وكذلك قولهم: إنهما أفطرا لسبب آخر، فأين السبب الآخر؟ ثم إن الحاجم اسم فاعل، والمحجوم اسم مفعول، فهما وصفان مشتقان، فيفيدان العلية، كما لو قلت: أكرم المجتهد، يعني لاجتهاده، وهذا الذي يدل عليه المشتق: «أفطر الحاجم» أي: لكونه حَجم. و «أفطر المحجوم» يعني: لكونه حُجم، والمهم أن هذه تأويلات باردة في الواقع، وهذه كما توجد أيضا في الأحكام الفقهية توجد أيضا في الأحكام العلمية العقدية، كما فعل أهل التحريف المعطلة الذين قالوا: المراد بعين الله كذا، المراد بيده كذا، المراد بقدمه كذا، فهم جنوا على النصوص من وجهين:

الوجه الأول: نفي ما دلت عليه.

والوجه الثاني: إثبات ما لم تدل عليه.

ولهذا نكرر دائما ونقول: استدلوا قبل أن تحكموا؛ لأن الشرع هو البينة، ولا يمكن أن يحكم الإنسان إلا بوجود البينة، أما أن تحكموا أولا ثم تستدلوا فثقوا أنكم سوف تنجرفون؛ لأن الإنسان لابد مع الهوى أن يتجانب، فالواجب على الإنسان أن يستدل أولا ثم يحكم ثانيا، سواء كان ذلك في العقيدة، أو في الأحكام الفقهية.

<<  <   >  >>