وأجود ما قيل ما ذكره الشافعي وغيره: أن هذا منسوخ، فإن هذا القول كان في رمضان، واحتجامه وهو محرم كان بعد ذلك؛ لأن الإحرام بعد رمضان.
وهذا أيضا ضعيف، بل هو صلوات الله عليه أحرم سنة ست عام الحديبية بعمرة في ذي القعدة، وأحرم من العام القابل بعمرة القضية في ذي القعدة، وأحرم من العام الثالث سنة الفتح من الجعرانة في ذي القعدة بعمرة، وأحرم سنة عشر بحجة الوداع في ذي القعدة، فاحتجامه صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم لم يبين في أي الإحرامات كان؟
[وإنما يمكن دعوى النسخ بشرطين:
أحدهما: أن يكون ذلك في حجته، أو في عمرة الجعرانة؛ فإن قوله:«أفطر الحاجم والمحجوم» فيه أنه كان في غزوة الفتح، فلعل احتجامه كان في عمرته قبل هذا، إما عمرة القضية، وإما عمرة الحديبية.
الثاني: أن يعلم أنه لمَّا احتجم لم يفطر، وليس في هذا الحديث ما يدل على هذا، وذلك الصوم لم يكن شهر رمضان، فإنه لم يحرم في شهر رمضان، وإنما كان في السفر، والصوم في السفر لم يكن واجباً؛ بل الذي ثبت عنه في الصحيح: أن الفطر في السفر كان آخر الأمرين منه، وأنه خرج عام الفتح حتى إذا بلغ كديد أفطر، والناس ينظرون إليه، ولم يعرف بعد هذا أنه صام في سفر، ولا علمنا أنه صام في إحرامه بالحج] .
والذي يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة: قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» فإنه كان عام الفتح بلا ريب، هكذا في أجود الأحاديث، وروى أحمد بإسناده عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان، قال:«أفطر الحاجم والمحجوم» .
وقال أحمد: أنبأنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن [أبي] الأشعث عن شداد بن أوس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل محتجم بالبقيع، لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال:«أفطر الحاجم والمحجوم» .