للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الحاجم فإنه يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد مع الهواء شيء من الدم ودخل في حلقه وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بالمظنة، كما أن النائم الذي تخرج منه الريح ولا يدري يؤمر بالوضوء، فكذلك الحاجم يدخل شيء من الدم مع ريقه إلى بطنه وهو لا يدري، والدم من أعظم المفطرات، فإنه حرام في نفسه لما فيه من طغيان الشهوة، والخروج عن العدل، والصائم أمر بحسم مادته، فالدم يزيد الدم فهو من جنس المحظور، فيفطر الحاجم لهذا، كما ينتقض وضوء النائم، وإن لم يستيقن خروج الريح منه؛ لأنه يخرج ولا يدري، وكذلك الحاجم قد يدخل الدم في حلقه وهو لا يدري.

وأما الشارط فليس بحاجم، وهذا المعنى منتف فيه، فلا يفطر الشارط، وكذلك لو قدر حاجم لا يمص القارورة، بل يمتص غيرها، أو يأخذ الدم بطريق أخرى لم يفطر، والنبي صلى الله عليه وسلم كلامه خرج على الحاجم المعروف المعتاد، وإذا كان اللفظ عاما وإن كان قصده شخصا بعينه فيشترك في الحكم سائر النوع؛ للعادة الشرعية من أن ما ثبت في حق الواحد من الأمة ثبت في حق الجميع، فهذا أبلغ، فلا يثبت بلفظه ما يظهر لفظا ومعنى أنه لم يدخل فيه مع بعده عن الشرع والعقل (١) ،


(١) المؤلف رحمه الله ذكر ثلاثة أشياء: الحجامة, والشرط, والفصد, فأما الحجامة: فمعروفة, والشرط: أن يشق العرق طولا ويخرج الدم, وأما الفصد: فأن يجرح العرق عرضا فيخرج الدم.

وما قاله الشيخ رحمه الله هو الصواب, وعلى هذا فإذا قدر حجامة بالآلات الحديثة لا يمتص فيها الحاجم قارورة الدم فإنه لا يفطر بذلك, كما أن الفاصد لا يفطر, والشارط لا يفطر أيضا, والله أعلم.

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولكم في شهرنا, وأن يعيننا وإياكم على طاعته, وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا إنه على كل شيء قدير.

<<  <   >  >>