للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال لهذا (١) بعض هؤلاء قولاً تالفا (٢) ، قاله ابن عقيل، وهو: أنه يفطر المحجوم بنفس شرط الجلد، وإن لم يخرج الدم، قال: لأن هذا يسمى حجامة. وهذا أضعف الأقوال] .

والرابع: وهو الصواب واختاره أبو المظفر ابن هبيرة الوزير العالم العادل وغيره، أنه يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما، وذلك لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعا وطبعا، وحيث حض النبي صلى الله عليه وسلم على الحجامة وأمر بها فهو حض على ما في معناها من الفصاد وغيره؛ لكن الأرض الحارة تجتذب الحرارة فيها دم البدن فيصعد إلى سطح الجلد فيخرج بالحجامة، والأرض الباردة يغور الدم فيها إلى العروق هربا من البرد، فإن شبه الشيء منجذب إليه، كما تسخن الأجواف في الشتاء، وتبرد في الصيف، فأهل البلاد الباردة لهم الفصاد وقطع العروق، كما للبلاد الحارة الحجامة، لا فرق بينهما في شرع ولا عقل.

وقد بينا أن الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة وبالاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجه أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر، سواء جذب القيء بإدخال يده، أو بشم ما يقيئه، أو وضع يده تحت بطنه واستخرج القيء، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم، ولهذا كان خروج الدم بهذا وهذا سواء في باب الطهارة، فتبين بذلك كمال الشرع واعتداله وتناسبه، وأن ما ورد من النصوص ومعانيها فإن بعضه يصدق بعضا ويوافقه، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً} .


(١) أي: لأجل هذا التعليل؛ لكونه تعبدا.
(٢) لعلها: «ثالثا» .

<<  <   >  >>