للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أنه يفطر المحجوم الذي يحتجم ويخرج منه الدم، ولا يفطر بالافتصاد ونحوه؛ لأنه لا يسمى احتجاما، وهذا قول القاضي وأصحابه، فالتشريط في الآذان هل هو داخل في مسمى الحجامة؟ تنازع فيه المتأخرون، فبعضهم يقول: التشريط كالحجامة (١) كما يقوله شيخنا أبو محمد المقدسي، وعليه يدل كلام العلماء قاطبة، فليس منهم من خص التشريط بذكر، ولو كان عندهم لا يدخل في الحجامة لذكروه كما ذكروا الفصاد، فعلم أن التشريط عندهم من نوع الحجامة، وقال شيخنا أبو محمد: هذا هو الصواب.

[ومنهم من قال: التشريط ليس من الحجامة؛ بل هو أضعف من الفصاد، فإذا قيل: الفصاد لا يفطر، احتمل التشريط وجهين، وهذا قول أبي عبد الله بن حمدان.

والأول أصح، فإن التشريط نوع من الحجامة أو مثلها من كل وجه، إذ الحجامة لا تختص بالساق؛ بل تكون في الرأس والعنق والقفا وغير ذلك، ومن فرَّق بينهما قال: الشارط لا يمتص من قارورة الدم كما يمتص الحاجم، فلا يدخل في لفظ «الحاجم» ، وكذلك لا يدخل في لفظ «المحجوم» ، فيقال: بل هو داخل في لفظ «المحجوم» ، وإن لم يدخل في لفظ «الحاجم» ، أو إن لم يدخل في اللفظ فهو مثله من كل وجه، وليس بينهما فرق أصلاً، وقد يقال: الشارط حاجم أيضاً، لكن لا يفطر، لأن لفظ الرسول (يتناول الحاجم المعروف المعتاد، ولم يكونوا يشرطون، وأما لفظ «المحجوم» فإنه يتناول ما كان يعرفه وما لا يعرفه؛ لأن المعنى المدلول عليه بلفظ «المحجوم» يتناول ذلك كله، بخلاف المعنى المقصود بلفظ «الحاجم» ، أو يقال: وإن شمله لفظ «الحاجم» لكن الحاجم الممتص أقوى؛ لأنه ذريعة إلى وصول الدم إلى حلقه، هذا على ما نصرناه.

ومنهم من يقول: بل الشارط يفطر أيضاً، وهو قول من يجعل اللفظ يتناولهما، ويجعل الحكم تعبداً.

وهؤلاء الذين قالوا: يفطر بالحجم دون الفصاد، قالوا: هذا الحكم تعبد لا يعقل معناه، فلا يقاس عليه.


(١) في نسخة: «من الحجامة» .

<<  <   >  >>