للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إذا كان لا يعلم أن غدا من شهر رمضان، فهنا لا يجب عليه التعيين، ومن أوجب التعيين مع عدم العلم فقد أوجب الجمع بين الضدين.

فإذا قيل: إنه يجوز صومه، وصام في هذه الصورة بنية مطلقة أو معلقة أجزأه، وأما إذا قصد صوم ذلك تطوعا، ثم تبين أنه كان من شهر رمضان فالأشبه أنه يجزئه أيضا، كمن كان لرجل عنده وديعة ولم يعلم ذلك، فأعطاه ذلك على طريق التبرع، ثم تبين أنه حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطائه ثانيا، بل يقول: ذلك الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي، والله يعلم حقائق الأمور، والرواية التي تروى عن أحمد: أن الناس فيه تبع للإمام في نيته، على أن الصوم والفطر بحسب ما يعلمه الناس، كما في «السنن» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون» (١) .

* * *


(١) قوله رحمه الله: «إذا قصد صوم ذلك تطوعا، ثم تبين أنه كان من شهر رمضان، فالأشبه أنه يجزئه أيضا» فيه نظر؛ لأن ظاهر الحديث يخالفه: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي/باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) ؛ ومسلم في كتاب الإمارة/باب قوله: «إنما الأعمال بالنيات» (١٩٠٧) .] ، لكنه ينطبق على القول الثاني - وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله -: أنه لا يجب التعيين، فعلى رأيه يصح؛ لأنه يقول هذا الصوم وقع في وقت لا يصح فيه إلا صوم الفرض، فكان فرضا، لكن الذي يظهر أنه إذا نوى تطوعا وتبين أنه من رمضان فإنه لا يجزئه، لكن هل يستمر في صومه بنية التطوع أو لا؟ الجواب: لا يستمر، بل نقول: يجب عليه أن يفسخ النية إلى أنه من رمضان، ثم هل يجزئه عن رمضان أم لا؟ نقول: أما على قول من يقول: إنه إذا لم يعلم بالهلال إلا في أثناء النهار فإنه يمسك ويصح صومه، فهذا لا شك من باب أولى، وإذا قلنا: لا يصح صومه، فلا بد من القضاء، والقضاء أحوط.

<<  <   >  >>