(٢) بدأ المؤلف - رحمه الله - بذكر الحجج، فالأصحاب - رحمهم الله - احتجوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفعله، فحديث ابن عمر رضي الله عنه «فإن غم عليكم فاقدروا له» [أخرجه البخاري في الصوم/باب هل يقال: رمضان, أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا (١٩٠٠) ؛ ومسلم في الصوم/باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال, والفطر لرؤية الهلال, وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (١٠٨٠) (٨) .] قالوا: معنى «اقدروا له» أي: ضيقوا عليه، فاجعلوا شعبان تسعةً وعشرين، وقالوا: «القدر» هنا بمعنى: التضييق، كقوله - تعالى -: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: ٧] .
أما فعله فابن عمر رضي الله عنه كان إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان أرسل من يتحرى الهلال، فإن كانت السماء صحواً ولم يره لم يصم، وإن كانت السماء غائمةً صام [أخرجه أحمد (٢/٥, ١٣) ؛ وأبو داود في الصيام/باب الشهر يكون تسعا وعشرين (٢٣٢٠) ؛ والدارقطني (٢/١٦١) ؛ والبيهقي (٤/٢٠٤) .] ، لكن ابن عمر فعله على سبيل الاحتياط؛ لأنه لم يَأمر به ولا أهل بيته، فحتى أهل بيته لم يأمرهم أن يصوموا، مما يدل على أنه فعله على سبيل الاحتياط، أما النص النبوي: «فاقدروا له» فلا يدل على الوجوب، بل ولا على الاستحباب.
فإذا قال قائل: معناه: ضيقوا عليه.
قلنا: يصح أن نقلب المسألة، ونقول: اقدروا له أي: ضيقوا رمضان، فلا تصوموا، ثم إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً، وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» [أخرجه البخاري في الصوم/باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا» (١٩٠٩) .] . وهذا يدل على أن معنى: «اقدروا له» أي: أكملوا ثلاثين؛ لأن الحديث يفسر بعضه بعضاً، وقال بعض المتأخرين: معنى «اقدروا له» أي: اعملوا بما يقتضيه الحساب، فيكون هذا من باب التقدير، فـ «اقدروا له» أي: قدروا هل هلَّ أو لم يهل؟ وهذا ليس ببعيد، وهو متمشٍ على القواعد، أنه إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن، ولا شك أن الحساب يوجب غلبة الظن.