للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هنا، أنَّ الحديث قد رُوي مرفوعاً عن جماعة من طريق شعبة عن أبي إسحاق، ثم رواه معاذ بن معاذ وهو العنبري عن شعبة عن أبي إسحاق، فرجح الدارقطني رواية معاذ بن معاذ على رواية الجماعة بقوله " وهو المحفوظ "

وحجته في ذلك أنَّ معاذ بن معاذ العنبري هو أوثق من هؤلاء الجمع في الإمام شعبة بن الحجاج بن الورد، فقد قال ابن عدي: " أصحاب شعبة: معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، وغُندر، وأبو داود خامسهم " (١)، انظر كيف رجَّح رواية رجلٍ واحدٍ على رواية جماعة خالفوه!، وذلك للأدلة والقرائن سالفة الذكر، فدل ذلك على أنَّ العبرة ليست بعدد من رَوى الحديث ولو كانوا كثرة في جميع الأحوال، بل بقرائن أخرى لها تأثير أقوى في ترجيح المرويَّات، وهي في هذا المثل مدى تَثَبُّتْ ودقة الراوي في شيخه، وهذا المعيار من أدق معايير نقاد الحديث، وبهذا الحكم يكون الحديث قد أُعلَّ بالوقف، لصحة الرواية الموقوفة على المسندة، والله أعلم.

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ العَبْدَ الْفَاجِرَ إِذَا وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، قَالَ: يَا وَيْلِه أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي)) (٢).


(١) ابن رجب الحنبلي: في شرح علل الترمذي، (ص ٣٦٨).
(٢) أخرجه بتمامه النَّسائي: في السنن، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، (ج٤/ص ٣٤١)، برقم (١٩٠٧)، من طريق عبدالله بن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبدالرحمن بن مهران، أنَّ أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: ((سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني، قدموني وإذا وضع الرجل يعني السوء على سريره، قال: يا ويلي أين تذهبون بي)) وهو حديث حسن، رواته ثقات إلا عبدالرحمن بن مهران فإنَّه صدوق.

<<  <   >  >>