وقد أيَّد هذا الحكم الإمام أحمد لما سئل عن الحديث نفسه، فقال عَبْدُاللهِ بْن أحمد بن حنبل:" سَألت أبِي عَنْ حديث حدثناه الفضل بن زياد الذي يقال له الطسي، قال حدثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لا يَقْرَا الْجُنُبُ وَلا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ)).
فَقَالَ أَبِي: هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنَّه وهم من إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ " (١).
قلتُ: فظهر بذلك مدى أهمية ودقة قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان، وكيف كان النُّقادُ يعتمدون على التعليل بها، ولاشك أنَّ معرفة ذلك للباحث في مناهج المتقدمين من أهم المهمات للوقوف على القرائن المعتمدة عند أهل النقد.
[المطلب الثالث: قرينة ضعف الثقة في بعض الأحوال.]
وهذه القرينة من أدق وأهم الأدلة التي كان الدارقطني يستند عليها، وكذلك الأئمة النُّقاد في تعليلهم للأحاديث، وتحدث هذه القرينة عندما يكون الراوي الثقة قوياً وثبتاً في الرواية في أحوال معينة دون غيرها، كالمختلطين لهم أحكام من روى عنهم قبل الاختلاط ومن روى عنهم في زمن الاختلاط، أو كمن احترقت كتبه له حكمان كذلك، وغيرها
من الأحوال التي قد تدل على خلل في الراوي أو المرويَّات، ولذا اهتم المؤرخون بمثل هذه الأحداث وأَرَّخُوا لها، ليتمكن النُّقاد من معرفة أحوال الرجال وبالتالي الحكم على الأحاديث والآثار، وسوف أجتهد في توضيح ذلك بضرب الأمثلة الآتية:
المثال الأول: قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: " عن حديث روي عن أبي عبدالرحمن السلمي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ ذَكَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِهِ ذَكَرَهُ اللهُ فِي
(١) الإمام أحمد: العلل ومعرفة الرجال، (ج٣/ص٣٨١)، سؤال رقم (٥٦٧٥).