للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

لا يخفى على مشتغلٍ بهذا الفن فضلاً على الباحث في علوم الحديث الأهمية البالغة للمتابعات والشواهد في الترجيح بين الروايات المختلفة، ولقد كان أهل الحديث وجهابذة النُّقاد يتهافتون على تلك المتابعات والشواهد؛ وكأنها اللؤلؤ والمرجان، حيث يتقوى بها الحديث المحتمل الضعف، أو تفرد راوٍ عن شيخه لا يحتمل، وخلافه من الأسباب التي قد يحتاج إليها النَّاقد للترجيح، ومعرفة الصواب في هذه المرويَّات، فلا يحتاج إليها إلا عند الحاجة.

ولقد بذل أهل الحديث كل غالٍ ونفيسٍ للحصول على تلك المتابعة أو ذلك الشاهد الذي يترجح به كفة رواية على رواية، أو زوال شبهة الخطأ والوهم عن رواية راوٍ، أو ترجيح زيادة متن على نقصانه، وغيرها من أساليب الترجيح بين المرويَّات المختلفة وسوف نضرب بعض الأمثلة التي توضح استعمالهم للمتابعة في الترجيح، والله الموفق.

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث نعيم بن ربيعة، عن عمر - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((حين جاءه رجل يسأله عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، فقال عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ ...)) (١)

فقال - الدارقطني -: يرويه زيد بن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد ابن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر. حدث عنه كذلك يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وجود إسناده ووصله. وخالفه مالك بن أنس فرواه، عن زيد بن أبي أنيسة،


(١) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الأعراف، (ج٥/ص٢٦٦)، برقم (٣٠٧٥)، وأبو داود: في السنن، كتاب السنة، باب في القدر، (ج٢/ص٦٣٩)، برقم (٤٧٠٣)، كلاهما من طريق زيد بن أبي أنيسة أنَّ عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أنَّ عمر بن الخطاب به تاماً، الآية في سورة الأعراف رقم (١٧٢).

<<  <   >  >>