سنتعرض في هذا الفصل لمفهوم العلة من جهة الإسناد والمتن عند المحدثين المتقدمين وعلى رأسهم الإمام الدارقطني، ودراسة ومقارنة ذلك بمذهب المتأخرين من المحدثين، فإنَّه مما لا شك فيه أنَّ مفهوم العلَّة عند الإمام الدارقطني لم تختلف كثيراً عن مفهوم العلَّة عند المتقدمين من أئمة الحديث أمثال: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام علي بن المديني، والإمام ابن أبي حاتم الرازي، والإمام أبي زُرْعَة الرَّازي، والإمامين البخاري ومسلم، والإمام الترمذي وغيرهم من المحدثين، فإنَّ مذهبهم في العلة واحد لا يختلف من حكم إمام إلى غيره، بل ينتظم في طريقٍ واحد، وفهمٍ ثاقب للعلل بأنواعها وأجناسها المختلفة التي قد تطرأ على الأحاديث والأخبار.
[المبحث الأول: مفهوم العلة من جهة الإسناد.]
مفهوم العلة من جهة الإسناد عند المحدثين المتقدمين يشمل كل ما يطرأ على الإسناد مما يقدح فيه من أسباب الوهم والخطأ، أومن ضعفٍ وجرحٍ في الراوي، مما يدل على عدم حفظ أو ضَبط الراوي لمرويَّاته، وسواء كانت هذه العلة من ثقةٍ معروفٍ بالإتقانِ، أو كانت من ضعيفٍ مجروح بالاتفاقِ، أو كانت هذه العلَّة ظاهرة واضحة جلية، أو كانت خفية غامضة دقيقة، كل ذلك يسمى عندهم علَّة، إلا أن الغالب مما يطلق عليه علَّة عندهم الأسباب الخفية الغامضة، ونرى في كتب أئمة العلل الشيء الكثير مما يدل على ذلك، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقد أطلق بعض المحدثين والفقهاء المتأخرين بعض الألفاظ في مفهوم العلة، مما يوهم خلاف ما بيناه في تعريف مفهوم العلة عند المتقدمين فقالوا:" صحيحٌ معلولٌ " أو " علةٌ غير قادحة "، " وعلةٌ غير مؤثرة "، وما شابه ذلك.
فأما لفظة:" صحيحٌ معلولٌ "، فقد ذكر أبو يعلى الخليلي في بيان العلل: " أنَّ الأحاديث المروية عن رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على أقسام كثيرة، صحيح متفق عليه، وصحيح معلول، وصحيح