المتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني
[تمهيد]
إنَّ دراسة قَرائن االترجيح عند النُّقاد المتقدمين من أهم المباحث في علل الحديث، فهي بمثابة الثمرة الناضجة من الشجرة الطيبة في معرفة العلل، وبها يعرف مصير الأخبار، وهي الدلائل التي يرجح بها النُّقاد بين المرويَّات، فيعرف الغث من السمين، ولا يخفى على أحد أهمية معرفة تلك القرائن، كالمتابعات والشواهد وغيرهما، وقد فرَّق قوم من أهل العلم بينهما فخصوا الشاهد بمجيئ الحديث من جهة صحابي آخر، والمتابعة بما يأتي من جهة غير الصحابة.
قال الحافظ ابن حجر:" وخَصَّ قومٌ المُتابعةَ بما حَصَلَ باللَّفظِ، سواءٌ كانَ مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ أَم لا، والشاهدَ بما حصلَ بالمَعنى كذلك. وقد تُطْلَقُ المُتابعةُ على الشَّاهدِ وبالعكسِ، والأمرُ فيهِ سَهْلٌ "(١).
وحقيقة الأمر أنَّ غالب استعمال النُّقاد المتقدمون للفظةِ "المتابعة" على كل هذه المعاني، ولا فرق بين المتابعة والشاهد عندهم كما فعل المتأخرون، بل قد يطلقون المتابعة على الشاهد والعكس، ولا شك أنَّ هناك ثَمَّ قرائن ترجيح أخرى كثيرة استعملها النُّقاد في ترجيح المرويَّات، ولذا سأُحَاول في هذا الفصل استعراض بعض هذه القرائن التي كان الدارقطني والنُّقاد المتقدمون يستعملونها، وبيان أثرها في الترجيح عندهم بالأمثلة التطبيقية والله الموفق سبحانه لا رب سواه.
(١) ابن حجر العسقلاني: نزهة النظر شرح نخبة الفكر، (ص٥٥).