سنتعرض في هذا المبحث لأجناس العلل الظاهرة في كتاب العلل للدارقطني، وقد أثبتنا من قبل أنَّ النقاد المتقدمين قد أشاروا في مصنفاتهم إلى العلل الظاهرة كجرح الرواي بالضعف الشديد أو أنَّه متروك أو كذاب، بجانب العلل الخفية إلاَّ أنَّ نسبة الأحاديث التي أعلُّوها بأسباب ظاهرة أقل بكثير من تلك التي أعلَّوها بأسبابٍ خفيةٍ، وقد يكون سبب الإشارة إلى العلة الظاهرة في الحديث للتنبيه على سببٍ خفي لا يطلع عليه إلا أهل الخبرة والمعرفة بالعلل، مثل كون الراوي عن الضعيف من الثقات الأثبات، فقد يُظن أنَّ الضعيف مستقيم الرواية ويخفى حاله، أو كون الراوي الضعيف يشتبه اسمه مع ثقة وغيرها من الأسباب الخفية التي لا يتفطن إليها إلا أهل الخبرة، ولقلة الأحاديث المعلولة بالأسباب الظاهرة ظنَّ قوم أنَّ مفهوم العلّة عند المتقدمين هو ما كان بسبب خفي فحسب وليس كذلك، وسوف نسوق هنا بعض أجناس العلل الظاهرة لإبطال ما ذهبوا إليه.
الجنس الأول: ما كان علته هي الضعف في الراوي.
والقصد من الضعف في الراوي الدرجة الأولى في جرح الرواة، أي الضعف الذي لا يصل إلى حد الضعف الشديد أو الترك عند الإمام الدارقطني، كالذي يقال عنه: كثير الغلط أو سيئ الحفظ أو لين الحديث، ولقد أعلَّ الدارقطني بهذه العلة أحاديث كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلاَ تَاكُلُوا بِهِ وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ وَلاَ تَجْفُوا عَنْهُ وَلاَ تَغْلُوا فِيهِ)) (١).
(١) أخرجه على الوجه الصحيح أحمد: في المسند (ج٣/ص ٧٦٦)، برقم (١٥٥٧٤)، من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل به، وهو صحيح.