سنتعرض في هذا الفصل للألفاظ التي تدل على: الغرابة والتفرد والترجيح بين الرِّوايات المختلفة، ولقد تنوعت ألفاظ الغرابة والتفرد والترجيح، تبعاً للعلة التي قد تطرأ على الخبر مثل تفرد الراوي بحديث شيخه دون غيره من الأقران، وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي للعلة، ولتوضيح ذلك سوف نضرب بعض الأمثلة التي استعملها النُّقاد والدارقطني لهذه الألفاظ؛ للدَّلالة على الغرابة والتفرد والترجيح.
المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني.
المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً.
أولاً: تعريف الغرابة لغةً.
الغرابة والاغتراب بمعنى البعد، والبعد أصله من الإشارة إلى الجهة البعيدة المغرب، ويقال على الذي سافر فأبعد السفر غريب، وجمعه غُربَاء، وقال ابن منظور في لسان العرب: " غَرْبةٌ نائِيَةٌ وأَغْرَبَ القومُ انْتَوَوْا وشَاوٌ مُغَرِّبٌ ومُغَرَّبٌ بفتح الراءِ بعيد، قال الكميت:
عَهْدَك من أُولَى الشَّبِيبةِ تَطْلُبُ ... على دُبُرٍ هيهاتَ شَاوٌ مُغَرِّب
ويقال اغْرُبْ عني أَي تباعَدْ، ومنه الحديث أَنه أَمَرَ بتَغْريبِ الزاني التغريبُ النفيُ عن البلد الذي وَقَعَتِ الجِنايةُ فيه، يقال أَغرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذا نَحَّيْتَه وأَبْعَدْتَه والتَّغَرُّبُ البُعْدُ. وفي الحديث:((أَن رَجُلاً قال له إِنَّ امرأَتي لا تَرُدُّ يَدَ لامِس، فقال: غرِّبْها))، أَي أَبْعِدْها يريدُ الطلاق وغَرَّبَت الكلابُ أَمْعَنَتْ في طلب الصيد وغَرَّبه وغَرَّبَ عليه تَرَكه بُعْداً والغُرْبةُ والغُرْب النُّزوحُ عن الوَطَن والاغْتِرابُ قال المُتَلَمِّسُ:
أَلا أَبْلِغا أَفناءَ سَعدِ بن مالكٍ ... رِسالةَ مَن قد صار في الغُرْبِ جانِبُهْ