للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد لخص علماء الحديث الطرق التي كان أئمة العلل يَسْلُكُونها لمعرفة علة الحديث، فقال الخطيب البغدادي: " السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط " (١).

وقال ابن الصلاح رحمه الله: " ويستعان على إدراكها (أي العلة) بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم لغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه، وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه" (٢).

قلتُ: فهذه النصوص ترشد إلى الطرق التي كان الأئمة يعتبرونها في معرفة العلل، وقد لخصها ابن الصلاح في التفرد والمخالفة، مع قرائن تنضم إلى ذلك، ومما لا شك فيه أنَّ هذه القرائن كثيرة ومتنوعة، وليس لها قاعدة ثابتة، وغير منحصرة، وقد اجتهد جهابذة أهل الحديث في بيان قرائن التعليل الإسنادية والمتنية في مصنفات متفرقة، ولم أرَ من جمع مصنفاً فيه بيان القرائن التي اعتمد عليها أئمة التعليل، إلا إشارات قليلة في مصنفات أهل الحديث مثل: الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي، وفتح الباري له، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في النكت وفتح الباري له، والإمام ابن القيم وشيخه الإمام ابن تيمية في بعض مصنفاتهم، فظهر أنَّ دراسة قرائن التعليل والتمثيل لها من كلام أئمة النقد لمن أهم الأبحاث التي يمكن تحقيقها في هذا العلم؛ لأنَّ كتب العلل لا تذكر القرائن في غالب الأحيان، ولا تذكرها إلا بعبارات دقيقة لا يَفْهَمها إلا أصحاب هذا الشأن، وسوف أجتهد في تناول بعض قرائن التعليل في هذا الفصل إن شاء الله تعالى التي كان أئمة التعليل يستعملونها لمعرفة وتحديد العلل في الأخبار، وعلى رأسهم الإمام الدارقطني، نتلمس فيها منهجه وطريقته، والله الموفق لا رب سواه.


(١) العراقي: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، (ص ١١٧).
(٢) نفس المصدر: (ص١١٦).

<<  <   >  >>