فكان - صلى الله عليه وسلم - يسير سيراً منبسطاً خفيفاً، ليس فيه عجلة، لئلا يحصل مضرة على الناس، وكان يقول لهم:«أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ»(١)، كما في حديث جابر، «فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضاعِ»، [أي] ليس بالإسراع، فالسنة للناس إذا اندفعوا من عرفات ألا يعجلوا، ويطمئنوا، سواء في السير على مراكب، أو على أقدامهم، أو على إبلٍ، أو غير ذلك، فالسنة لهم عدم العجلة، حتى لا يضرَّ بعضهم بعضاً.
ومعنى العَنَق: السير الخفيف، الذي ليس فيه سرعة، فإذا وجد فجوة يعني متَّسعاً نصَّ، يعني أسرع قليلاً، حتى يخفف على الناس، ينطلق هكذا، ينبغي عند وجود متسع يُعجِّل قليلاً، وإذا كان المقام ليس مقام سعة رفق ولم يسرع، لا في دابته، ولا في سيارته، ولا بقدمه، يرفق حتى لا يضرّ أحداً من الناس، وهكذا في مواضع الزحام: كالانصراف من مزدلفة إلى منى، ومن منى إلى مكة، إذا كان هناك زحام فينبغي عدم السرعة إلا إذا كان هناك فجوة؛ فإنه يعجل قليلاً على وجهٍ لا يضر أحداً، وكان لما أتى محسراً أسرع - عليه الصلاة والسلام - قليلاً، عند انصرافه من مزدلفة إلى منى.
والحديث الثاني: حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص بعن
(١) رواه مسلم، كتاب الحج، حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم ١٢١٨، وأخرج البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا، وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ»، كتاب الحج، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة، برقم ١٦٧١.