وقد قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه في كتاب المتأولين, في من صلى في جلود الثعالب المدبوغة وهو يرى أن الدباغ يطهر أهب الميتة: إن صلاته صحيحة. قال: ولا بأس أن يأتم به من يرى خلاف رأيه ممن يذهب إلى أن الدباغ لا يطهر أهب الميتة. قيل له فإن صلى في جلود الثعالب المدبوغة من يرى أن الدباغ لا يطهر أهب الميتة يجوز الائتمام به؟ فقال: سبحان الله؛ يصلي فيما يعتقد أنه ميتة, صلاته باطلة, وصلاة من ائتم به غير جائزة. وكذلك مذهبه في جميع المتأولين. وإنما عينت هذه المسألة تنبيها على مذهبه في غيرها, وقد بينت مذهبه في المتأولين في كتاب الصلاة من كتابي هذا بما أغنى عن إعادته.
فيجب على الحاكم النظر لنفسه, والاحتياط لدينه, والاجتهاد في فكاك رقبته, وإعطاء الجهد من نفسه في طلب الحق والعمل به, اتباعا لقول الله عز وجل:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} الآية [المائدة: ٤٩]. وحذرا من قوله عز وجل:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}[المائدة: ٤٧] , وقال تعالى:{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}[ص: ٢٦].
وقد روى ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه, ويوفقانه, ويرشدانه ما لم يجُر, فإذا جار عرجا وتركاه".