للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشاهدها الناس كلهم؛ فقد كان السحاب يمس الذرى التي تحتنا ويلفح وجوهنا ويحجب عنا السهل والسفوح. وكنا نعلو عليه أحياناً فلا يبلغنا ولا يمسنا، ونراه يمر من تحتنا أشبه شيء بالغبار الأبيض تحمله الريح، حتى درنا تلك الدورة الكبيرة وأشرفنا على وادي «صوفر-حمّانا» العظيم، أوسع أودية لبنان وأجملها، وقد ازدهى بالصنوبر وانتثرت على سفوحه عشرات القرى ولاحت مبانيها العظيمة وقصورها الشُّم.

والرّوابي توسّدَتْ راحةَ السّحـ ... ـبِ ونامت على وشاحٍ مُرقَّقْ

والذُّرى البيضُ في العَلاءِ نسورٌ ... حوَّمَتْ تكشِفُ الخَفيَّ المُغَلَّقْ

نَشَرتْ في الفضاء أَجْنُحَهَا الزّه ... ـرُ فأسْنَى بها الوجودُ وأشْرَقْ

والقُرى غَلْغَلَتْ بأخبِيَةِ الغَيْـ ... ـبِ وضاعت بين الغَمَامِ المُنَمَّقْ

واليَنابيعُ ضاحِكاتٌ من الزَّهـ ... ـوِ تَرَامَى فيها السَّنَا وتَألَّقْ

وتراءَى البحرُ البَعيدُ كحُلْمٍ ... مُبْهَمٍ راجِفِ الخَيالِ مُلَفَّقْ

سرقَتْهُ السّماءُ في الأفُقِ النّائي ... فَمَنْ أبصَرَ الخِضَمّاتِ (١) تُسْرَقْ؟ (٢)

* * *

تمر على الإنسان ساعات، بل لحظات، ينسى فيها هذا العالَم المادي وهذه الحياة القصيرة الناقصة، ويحس كأنه يعيش بنفسه حياة أكمل وأجمل، تخالط نفسَه مشاعرُ لا عهد له بها ولا يقدر على وصفها، وتغمر قلبَه لذّةٌ لا يعرف أي شيء هي،


(١) الخِضَمُّ هو البحر الواسع (مجاهد).
(٢) أنور العطار.

<<  <   >  >>