فيشعر أنه انتقل إلى عالم سحري جني عجيب، كهذه اللحظات التي تمر علينا في غمرة التأمل النفسي، أو في نشوة الحب، أو حين الاستغراق في العبادة والمناجاة. هذه هي اللحظات التي تمرّ عليك حين تشرف على وادي «صوفر-حمّانا» أو تجلس في الشاغور أو تصعد إلى عين الصحة في فالوغا.
لست أريد الدعاية للبنان، وما لبنان في حاجة إلى دعاية، وما في لبنان سرير في فندق أو غرفة في دار إلاّ وقد امتلأت، حتى إننا لم نجد في صوفر (وقد وصلناها ليلاً) مكاناً نبيت فيه، وكلما دخلنا فندقاً خرجنا منه بخفي صاحبنا حنين الإسكاف ... حتى قادنا المطاف إلى فندق لطيف معتزل قاعد في منتصف الطريق بين صوفر وبحمدون، ولم يكن بعده فندق نأوي إليه. فتعلقنا بصاحبه وتوسلنا إليه وأطمعناه حتى رضي أن يعد لنا مكاناً في الردهة (الصالون) فقبلنا، ووُضعت سرر صغار كسرر الجند وطلبة المدارس الداخلية جاء بها من بيته، فحمدنا الله عليها.
* * *
ولما دخلنا (الأوتيل): عمامتان عاليتان على رأسَي البهجتين، بهجة العراق وبهجة الشام، وعقال نجدي فخم على هامة أمير من أمراء نجد، ونحن الاثنان «المُطربَشان»، الأستاذ عز الدين وأنا، تعلقت بنا الأنظار ودارت حولنا الأبصار، وحفّ بنا شباب يسلمون علينا، فقلنا: وعليكم السلام يا إخواننا.
فما راعنا إلا أنهم ضحكوا وضحك الحاضرون، فقلت لأحدهم: من فضلك قل لي، لماذا تضحك؟ هل تجد في هيئتي