في الحديث الصحيح "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" فيتحصل من الروايتين خمس خصال، بإضافة الخيانة في الأمانة إلى الأربع، وفي جعل علامة المنافق ثلاثا مرة، وأربعا مرة تعارض، رفعه القرطبي بأنه صلى الله عليه وسلم استجد له من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده، فأخبر أولا بالأقل، ثم أخبر بالأكثر، وقال الحافظ ابن حجر، يحتمل أن تكون الثلاث دالات على أصل النفاق، والخصلة الزائدة أو الخصلتان الزائدتان يتم بهما النفاق ويخلص، والأولى أن يقال: إن كل واحدة من الخمس علامة من علامات النفاق، بل الخمس من علامات النفاق، فهي أكثر من ذلك، إذ منها الملق، وإظهار الرضا والإعجاب بالرؤساء مع بغضهم وكراهيتهم، ومنها الرياء في العبادة وغير ذلك، فالمقصود من هذه الخصال المذكورة التنبيه على ما عداها من خصال النفاق، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة في الأمانة، والغدر في المعاهدة، وعلى فساد النية بالخلف في الوعد، لأن الخلف في الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم على الخلف مقارنا للوعد، أما لو كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع، أو بدا له رأي فليس من النفاق، ولا شك أن المراد بالوعد المطلوب الوفاء به الوعد بالخير، أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه، بل قد يجب إخلافه.
وأما الكذب في الحديث الذي هو من علامات النفاق فهو الكذب المتعمد الذي يترتب عليه ضرر، أما المبالغة في الوصف أو في الأخبار الماضية مما يخالف الواقع، ولا يترتب عليه ضرر، فهو وإن كان كذبا ينبغي الحذر منه إلا أنه لا يكون به منافقا.
وأما الغدر في المعاهدة فهو قبيح مذموم عند كل أمة، وهو حرام باتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي، وقد أمر الله المسلمين بالوفاء بعهدهم للمشركين فقال {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين.}