١٦ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري" قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"
-[المعنى العام]-
لا يملك الإنسان إلا أن يحزن عند المصيبة وبالأخص إذا كانت موت حبيب بل موت وحيد وماذا تملك امرأة فقدت وحيدها غير البكاء؟ وماذا يطلب منها إذا جلست عقب دفنه في قبره تبكيه؟ لو أن الأمر وقف عند هذا الحد لعذرت وما توجه إليها لوم
لكن صاحبة الحادثة تجاوزت البكاء إلى النوح والعويل وهو مظهر من مظاهر الجزع وعدم الرضا بالقضاء مظهر من مظاهر الهلع وضعف الإيمان وعدم التسليم لهذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمة الله اتقي الله وسلمي إليه الأمر وآمني بالقضاء واصبري على مصيبتك لا تضيعي ثواب المصيبة بالسخط لا تجمعي على نفسك فقد الابن وفقد الأجر ولم تلتفت المرأة للقائل ولا لقوله بل غاظها أن يطلب منها الصبر وهي العاجزة عن الصبر بل لم تصبر على القول ولا على القائل فأجابته في غضب وانفعال وجهل بقولها إليك عني ابتعد عني. اذهب ودعني فماذا تحس من ناري؟ إنك لم تصب بمصيبتي إنك بعيد عن النار إنك خلو من مصيبتي أنا المجروحة الثكلى ولو كنت مكاني عذرتني وقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حالتها وشدة مصابها وعذرها في لهجتها وردها وانصرف عنها لئلا تزداد نفورا وغلظة ورآه من بعيد يكلمها أحد الصحابة؟ فأقبل إليها
فقال لها: هل علمت من كان يكلمك؟ قالت: ما علمته ومالي به؟ وماله بي؟ قال لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تسمع به وكانت تسمع أن أصحابه يجلونه ولا يرفعون بصرهم فيه ولا يرفعون صوتهم عند مخاطبته وكانت