توفي القاسم وعبد الله ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة بمكة وحزن عليهما حزنا شديدا وحرم أزواجه صلى الله عليه وسلم من الولد حتى من كانت تلد قبله كأم سلمة سبحان الواهب الحكيم تسع من النساء لا تلد واحدة منهن وفيهن الولود وفي أواخر السنة السابعة أو أوائل السنة الثامنة أهدى المقوقس عظيم مصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية مصرية اسمها مارية القبطية فأسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عوالي المدينة وكان يأتيها بالملك من غير قسم فحملت منه صلى الله عليه وسلم وولدت له طفلا جميلا سماه إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وكم كانت فرحة الرسول صلى الله عليه وسلم به وتسابقت المرضعات تطلب شرف إرضاعه فاختار له رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضعة تسكن في عوالي المدينة مع زوجها الذي يعمل حدادا وكان يذهب إلى ابنه ليراه بين الحين والحين وكان يصحب معه كثيرا بعض أصحابه الذين كانوا يشفقون عليه من دخان الكير فيطلبون من زوج المرضعة أن يتوقف قليلا حتى تنتهي زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وشاء الله -ولا راد لحكمه ومشيئته -أن يموت إبراهيم على رأس ثمانية عشر شهرا من ولادته وقبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أنس بن مالك وعبد الرحمن بن عوف وكان الطفل يحتضر وأنفاسه تعلو وتهبط وروحه عند الحلقوم فأخذه صلى الله عليه وسلم وشمه وقبله ووضعه فلفظ أنفاسه الأخيرة فلم يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه فتساقطت الدموع فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت تبكي يا رسول الله إن الناس يبكون وأنت تنهاهم عن البكاء ما لنا نراك تبكي؟ فقال إن ما تشاهده أثر من آثار الرحمة ليس أثرا من آثار السخط ثم أتبع الدمع بدمع وقال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان إنما هذه رقة قلب ورحمة
ومن لا يرحم لا يرحم إن العين تدمع وإن القلب يحزن وإنا لفراق إبراهيم لمحزونون ولا نقول ما يسخط الرب لله ما أعطى وله ما أخذ ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل