(وجبت) في الموضعين فعل ماض وفاعله ضمير مستتر معهود للمتكلم يرجع إلى الجنة في الأول وإلى النار في الثاني، والمراد بالوجوب هنا الثبوت المؤكد البالغ حد الوجوب ولما كان الله لا يجب عليه شيء أريد منه الثبوت المؤكد
(فأثنوا عليها شرا) قال أكثر أهل اللغة الثناء بالمد ذكر المحاسن وتعداد المآثر ولا يستعمل إلا في الخير وعلى هذا فاستعماله هنا للمشاركة والمجانسة كما في قوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} فجزاء السيئة ليس سيئة وأطلق عليه لفظ سيئة للمشاكلة وقال بعضهم: إن الثناء يستعمل في الخير والشر فلا إشكال
(ما وجبت؟ ) أي ما الذي وجب في كل من الجنازتين فالسؤال عمن قام به الوجوب لا عن معنى الوجوب بدليل جوابه صلى الله عليه وسلم
(أنتم شهداء الله في الأرض) الخطاب لجماعة معينة من الصحابة الذين أثنوا ويدخل في الحكم من على صفتهم من الإيمان والتقوى بالقياس وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم فالخطاب على هذا للصحابة كأنه قال أنتم معشر الصحابة شهداء الله في الأرض وهذا بعيد والصواب الأول
-[فقه الحديث]-
ثناء الناس على الميت وذكرهم لمحاسنه مشروع وجائز مطلقا بخلاف الحي فإنه منهي عنه إذ كثيرا ما يفضي إلى الإطراء وكثيرا ما يفضي إلى الزهو وكثيرا ما يحمل على النفاق
والظاهر أن شيوع الثناء بالخير على الميت من الثقات المتقين دليل على أنه من أهل الجنة وأن شيوع ذم الميت وإسناد الشر إليه من الثقات المتقين دليل على أنه من أهل النار بصفة عامة خلافا لمن زعم بأن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه عليه بل هو خبر عن حكم أعلم الله به نبيه ويؤكده ذلك التعميم الأخير "أنتم شهداء الله في الأرض"