حوزته ملك ثابت ودائم ويرغب في تنميته وزيادته ويحرص على أن لا ينقصه ويشح به حتى على واهبه ومودعه فيظن أن الزكاة تنقصه مع أن الحديث يقول "ما نقص مال من صدقة" فمانع الزكاة نسي أن المال مال الله وأنه وديعة ونسي أن الذي أعطى قادر على الأخذ قهرا وعلى المنع ونسي أن الاعتراف لله بالفضل وشكره يزيد النعمة ونسي أن الزكاة مطهرة للمال تمنح النماء الحسي والبركة المعنوية أمام هذا النسيان الكبير لم يكن بد من إيقاظه بالترهيب والوعيد وبما ينتظره من عذاب الله يوم القيامة مرة بأن المال الذي يكنزه من الذهب والفضة ولا يؤدي حق الله فيه يصفح يوم القيامة صفائح ويحمى عليها في نار جهنم حتى تصير نارا فتكوى بها جبهته وجنوبه وظهره ويقال له مقالة تبكيت: هذا ما كنزت لنفسك، فذق جزاء ما كنت تكنز، ومرة بأن المال الذي يكنزه، ولا يؤدي زكاته سيتحول يوم القيامة إلى حية متوحشة مليئة بالسم المؤلم، يحاول الفرار منها فتطوقه، وتلتف حول رقبته، ثم تأخذ بشدقيه فيفرغ سمها نارا مذابة، كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، وتضيف إلى العذاب الجسمي عذابا نفسيا، تفزيعا وتوبيخا، تقول له: أنا مالك الذي كنزته لتتنعم به، أنا كنزك الذي حرمت منه الفقير ليزيدك نعيما. ها قد لقيت عاقبة كنزك عذابا بنفس كنزك. وصدق الله العظيم حيث يقول {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير.}
-[المباحث العربية]-
(من آتاه الله مالا) المراد من المال هنا النقدان: الذهب والفضة فهو من إطلاق العام وإرادة الخاص.
(مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع) أي مثل له ماله حية، والمراد من التمثيل إما التصوير، وإما التصيير، والفرق أن التصوير يبقي المال في حقيقته مالا، أي ذهبا في صورة ثعبان، وأن التصيير تحويل لذات المال إلى ذات ثعبان. والظاهر الأول، لأن المال سيكون في صورة صفائح تارة، وفي صورة ثعبان أخرى. والشجاع الحية الذكر، وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس،