(وخير الصدقة عن ظهر غنى) الجار والمجرور "عن ظهر غنى" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، أي خير الصدقة الكائن والواقع عن غنى من المتصدق عن الصدقة وكلمة "ظهر" مزيدة لإشباع الكلام وإعطاء الغنى رمز القوة، و"عن" للسببية، وفي المراد من الغنى أقوال. قيل: قدر الكفاية، فأفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، وقال البغوي: المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه. أهـ. وقيل: التنكير في "غنى" للتعظيم، فخير الصدقة صدقة الأغنياء الكبار، لأنها ستكون كثيرة تسد حاجة كثير من المحتاجين. وأبعد التأويلات قولهم: إن المعنى خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة. وسيأتي مزيد بحث للمسألة في فقه الحديث.
(ومن يستعف) بالإدغام، وروي "يستعفف" بفكه، أي يطلب العفة من الله ومن نفسه، ليكون عفيفا.
(ومن يستغن) أي يطلب الغنى من الله، ويعمل ويسعى إليه بالطرق المشروعة، ولو بأن يأخذ حبلا فيحتطب.
-[فقه الحديث]-
يتعرض الحديث بصفة أساسية إلى نقطتين هامتين. الأولى المفاضلة بين المعطي والآخذ، والثانية صدقة المحتاج.
أما عن النقطة الأولى: فالمعتمد عند الجمهور أن المراد من اليد العليا اليد المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وفي ذلك أثر لابن عمر. قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى" ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية. فيكون الهدف من الحديث حض الغني على الصدقة، وحض الفقير على التعفف عن المسألة، والمقابلة موافقة لكيفية الإعطاء والأخذ غالبا.